"أنستالينغو"... المسمار الأخير في "نعش" إسلامييي تونس؟

أصدر القضاء التونسي أحكاماً مشددة بالسجن في القضية المعروفة إعلامياً بـ"قضية انستالينغو" المتورطة فيها أسماء بارزة في "حركة النهضة" الإسلامية كرئيسها راشد الغنوشي.
و"أنستالينغو" هي قضية تخابر وتجسس تم الكشف عنها عام 2021 عندما داهمت قوات الأمن مقر شركة انتاج اتضح أنها تتعامل مع أطراف خارجية وتتلقى أموالاً لبث الأخبار المغلوطة في مواقع التواصل الاجتماعي من أجل تعكير المناخ العام في البلد، بحسب التهمة الموجهة إليها في حينه.
وتضاف الأحكام الجديدة بالسجن ضد الغنوشي وقيادات من "النهضة" إلى عدد من الأحكام السابقة التي صدرت ضد أسماء بارزة في الحركة وتعد ضربةً جديدةً للإسلاميين الذين يعيشون أزمةً كبيرةً منذ إقرار الأحكام الاستثنائية في تونس عام 2021.
وتطرح هذه الأحكام العديد من الأسئلة حول تداعياتها على المشهد السياسي في تونس ومستقبل "النهضة" على وجه التحديد، خصوصاً أن التهم الموجهة إلى الغنوشي وبقية المتهمين تتعلق بالأمن القومي والإرهاب ما قد يمهد، في تقدير البعض، لحل الحزب بعد توفر السند القانوني لذلك.
تزايد مطالب الحل
وتطالب أصوات عديدة بحل "حركة النهضة" بسبب تورط قياداتها في جرائم إرهابية تمس الأمن القومي في وقت ترفض فيه الأخيرة هذه التهم مؤكدة أنها "مفبركة وتأتي في إطار معركة سياسية ضدها".
وفي تصريح إلى"النهار" قالت النائبة في البرلمان التونسي فاطمة المسدي، وهي من الأصوات التي تطالب باستمرار بحل الحركة، إن الأحكام القضائية التي صدرت في ملف "أنستالينغو" تثبت وجود تهمة التخابر مع أطراف أجنبية من أجل الإضرار بأمن تونس ومصالحها.
وتضيف أن هناك أحكاماً أخرى قد تصدر قريباً ضد قيادات من "النهضة" في قضايا تسفير الجهاديين إلى سوريا وغيرها، "وهي أيضاً قضايا ذات صبغة إرهابية". وبالنسبة إلى المسدي فإن "ثبوت تورط قيادات "النهضة" في هذه الجرائم الخطيرة قضائياً بات يشكل سنداً قانونياً للذهاب في مسار حل الحركة".
وكشفت المسدي أنها تعتزم تجميع هذه الأحكام من أجل تقديم ملف إلى القضاء التونسي والمطالبة بحل الحركة خلال شهر آذار/مارس المقبل.
ويذكر أن حل الأحزاب في تونس هو من صلاحيات القضاء وحده.
جدية مسار المحاسبة
ويشاطر المحامي ورئيس المكتب السياسي لـ"حزب مسار 25" عبد الرزاق الخلولي رأي المسدي، لافتاً إلى أن الأحكام الأخيرة قد تمهد لحل حزب "النهضة".
ويقول الخلولي، لـ"النهار"، إنه وبعد صدور هذه الأحكام اتضح أن "النهضة وعكس ما كانت تروج له ليست حركةً سياسيةً مدنيةً وكل ما كانت تروج له سابقاً عن قيامها بمراجعات لأدبياتها كان مجرد أكاذيب لتسويق صورة جديدة لها".
وفي تقديره، فإنّ "هذه الأحكام قد تمهد لحل أو تجميد حزب النهضة وتؤكد أن مسار المحاسبة جدي وألا تراجع عن تحقيق المطلب الذي رفعه التونسيون يوم 25 تموز/يوليو 2021 بمحاسبة كل من أجرم في حق بلدهم".
لكن المعارضة تعتبر أن الأحكام الجديدة التي تصفها بـ"السياسية" تزيد من توتير المناخ السياسي في البلد وتغلق الباب أمام أي محاولة لفتح حوار وطني في البلد.
لا مستقبل في الأفق
وتزيد الأحكام الأخيرة ضد قيادات الصف الأول للإسلاميين من أوجاع الحركة التي تكابد في السنوات الأخيرة من أجل البقاء.
وتعليقاً على هذه الأحكام أصدرت الحركة بياناً نددت فيه بما وصفته بـ"المحاكمة السياسية الظالمة لقياداتها".
لكن المحلل السياسي بسام حمدي يقول لـ"النهار" إن هذه الأحكام ستكون لها ارتدادات كبيرة على الإسلاميين وعلى كل الأحزاب التي حكمت أو تعاطفت معهم.
وفي تقديره كشفت قضية "أنستالينغو" تأثير المال السياسي على المشهد العام في البلد أيام حكم الإسلاميين وبعد ابعادهم عن السلطة وفضحت كذلك الممارسات اللاأخلاقية للفاعلين السياسيين في تونس من أجل محاربة خصومهم.
ويعتقد حمدي أن هذه الأحكام ستزيد من تفكك الإسلاميين وستقضي على كل آمال الحركة بالعودة إلى المشهد السياسي مستقبلاً "خصوصاً أنها أحكام مست أبرز قياداتها".
وفي تقديره أيضاً فإن "الأحزاب التي حكمت أو التقت مع النهضة بأي شكل من الأشكال كان ستدفع فاتورة هذا التلاقي بخسارة ثقة التونسيين بها".