تقارب عسكري بين الجزائر وأميركا... ما الذي تغيّر؟

صحيح أن زيارة قائد القيادة العسكرية الأميركية في إفريقيا "أفريكوم" الفريق أول مايكل لانغلي للجزائر الأسبوع الماضي ليست الأولى لأنه سبق أن قام بزيارة مُشابهة على رأس وفد عسكري رفيع المستوى في تموز/ يوليو الماضي، لكنها الأولى في عهد الرئيس دونالد ترامب، ما فتح الباب واسعاً لسيل من الأسئلة عن توقيتها والظروف المرتبطة بها وأهميتها، بخاصة أنها انتهت بالتوقيع على مُذكرة تفاهم في المجال العسكري.
والتقى لانغلي خلال الزيارة الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون ورئيس أركان الجيش الوطني الشعبي الفريق أول السعيد شنقريحة، ما عزز تقديرات سياسية بأن تكون الزيارة قد حملت رسائل وأبعاداً سياسية تتصل بسعي الجزائر الى تنويع شراكاتها الاستراتيجية مع مختلف الفاعلين على الساحة الدولية، خصوصاً في المجال العسكري. كذلك يذهب بعض القراءات السياسية إلى أن تصاعد وتيرة التعاون الاقتصادي والأمني مع واشنطن أمر إيجابي بالنظر إلى ما آلت إليه علاقات الجزائر بمحور باريس _ الرباط الذي طور خطاباً معادياً ضدها.
ويقول أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدوليةعبد السلام فيلالي لـ"النهار" إن لزيارة لانغلي أكثر من دلالة، وفي رأيه، فإن المعلن منها، هو إعادة مراجعة دور الجزائر الإقليمي وهو ما يعدّل موازين المواجهة والنفوذ في المنطقة، ويشير فيلالي إلى أن "الرسائل الأميركية كانت كثيرة ومتشعبة، منها ما يتعلق بطبيعة العلاقات بين واشنطن والجزائر ومنها ما يشمل الجوار الإقليمي".
تعاون أمني واستخباري
ويلفت فيلالي إلى بعض التصريحات التي أدلى بها لانغلي وقال فيها إن "الجزائر وأميركا تتقاسمان الاهتمامات ذاتها بخصوص الاستقرار والأمن"، وأنهما: "سوية ستزدهران وستواصلان حماية الشعوب وسلامتها"، ووصف الجزائر بـأنها "البلد الرائد (leadership) في المنطقة"، وأن "كل الدول الأخرى ستستفيد من هذه الريادة"، لتختتم الزيارة بالتوقيع على مذكرة التفاهم في المجال العسكري التي وقع عليها من الجانب الجزائري شنقريحة.
ويستنتج فيلالي من هذه التصريحات "اعترافاً صريحاً ومباشراً بـالقيادة الإقليمية للجزائر، وهي قراءة تعكسُ الأهمية الكُبرى والحاسمة في تطور العلاقات بين البلدين والتي بُنيت على منظور جزائري يقوم على سياسة التعاون المكثف مع أميركا في حقبة السبعينات"، ويجزم أن "حماسة واشنطن للعمل والتعاون مع الجزائر تندرج ضمن مقاربة جديدة، خصوصاً أن الاستراتيجية الجزائرية الجديدة تقوم على التنويع في الشراكات لتعزيز القدرات وفتح آفاق جديدة على كل المستويات".
وتتوافق قراءة أخرى قدمها المحلل السياسي احسن خلاص، مع ما ذهب إليه فيلالي، إذ يصف في حديث إلى "النهار" زيارة المسؤول العسكري الأميركي بـأنها "مميزة" و"استثنائية لكونها انتقلت بهذه العلاقات من مستوى التشاور إلى مستوى وضع إطار دائم لها، لكي لا تتأثر بالتغيرات والتقلبات السياسية المتسارعة في الساحة الدولية". ويرى أن "العلاقة بين الجزائر والقيادة الأميركية في إفريقيا صارت مؤسسة على قواعد وضوابط واضحة وثابتة، أي أن الأهداف المشتركة ضُبطت في ورقة طريق يعتمدها البلدان بشكل دائم".
وهو ما أكده لانغلي عقب اللقاء الذي جمعهُ بالرئيس تبون، إذ أوضح أن "مذكرة التفاهم تؤسس لكل الأهداف الأمنية المشتركة والتي تم بناؤها في ما بيننا منذ سنوات"، وتابع: "هذه المذكرة ستسمح ببناء أكبر لهذه العلاقة وبتعميقها، وبهذا سنقوم بتعزيز الأمن والسلام الإٌقليمي والدولي، لأن الجزائر هي الرائد الإقليمي في المنطقة فكل الدول ستستفيد من هذا ومن ريادتها في المنطقة".
ويذكّر خلاص بأن"التعاون الأمني والعسكري مع الولايات المتحدة عرف تطوراً مُتصاعداً بعد أحداث 11أيلول/ سبتمبر 2001، أي بعد أن تغيرت النظرة إلى مسألة مكافحة الإرهاب باعتباره ظاهرة تتجاوز الأوطان إلى ظاهرة دولية تتطلب التعاون والشراكة من أجل تحقيقها، وواشنطن خلال تلك الفترة أرادت الاستفادة من التجربة الجزائرية في فترة التسعينات فاقتربت منها واستفادت بذلك من تعاون أمني ومخابراتي مع الدول المنخرطة فيه. ولذلك يُمكن القول إن الجزائر وأميركا تبنيان علاقاتهما على خلفية تاريخية، وفي مناسبات عديدة، قال تبون إن أميركا بلد صديق مثلما روسيا والصين مؤكداً التزام بلاده الحياد التام".