يسعى إلى تحقيق استقلالية طاقية... المغرب على طريق إنتاج الغاز الطبيعي

يقترب المغرب من بدء إنتاج الغاز الطبيعي المسال بكميات تجارية، ما يمثل خطوة متقدمة ضمن استراتيجية شاملة تهدف إلى تحقيق استقلالية طاقية جزئية وتقليص الواردات التي تمثل أحد التحديات الكبرى أمام الاقتصاد المغربي. ويعكس مشروع تطوير حقل "تندرارا"، بقيادة شركة "ساوند إنرجي" البريطانية، رؤية طموحة لتعزيز الإنتاج المحلي للطاقة، ودعم الاقتصاد الوطني عبر بنية تحتية متطورة وشراكات دولية.
ويقع حقل "تندرارا" شرق المملكة، وهو من أكبر حقول الغاز البرية في البلاد، ووفق تصريحات الرئيس التنفيذي لشركة "ساوند إنرجي"، غراهام ليون، ستنطلق التجارب الأولية للإنتاج خلال الصيف، تمهيداً للشروع في الإنتاج التجاري خلال الربع الأخير من السنة، بقدرة إنتاجية مبدئية تصل إلى 10 ملايين قدم مكعب يومياً، مع خطة لرفع هذه القدرة إلى 40 مليون قدم مكعب يومياً في المستقبل.
ويرى الخبير الطاقي عبد الحميد لوحيدي، أن نجاح هذا المشروع يعتمد على رؤية استراتيجية واضحة تسعى إلى تنويع مصادر الطاقة المحلية وتعزيز الإنتاج المحلي للغاز الطبيعي، موضحاً لـ"النهار" أن تطوير حقل "تندرارا" يعكس التزام المغرب الحلول المستدامة، إذ يرتبط المشروع ارتباطاً وثيقاً برؤية المملكة لتنمية قطاع الطاقة، بما يضمن تلبية الحاجات المحلية المتزايدة، ودعم القطاعات الصناعية التي تعتمد اعتماداً كبيراً على الغاز الطبيعي، مثل صناعة السيراميك، وتجفيف الفوسفات، والحديد، وتوليد الكهرباء.
ويتطلب مشروع بهذا الحجم بنية تحتية قوية لضمان استدامة الإنتاج ونقله بكفاءة إلى الأسواق المحلية والدولية، إذ تعمل "ساوند إنرجي" على إنشاء خط أنابيب بطول 120 كيلومتراً يربط حقل "تندرارا" بخط الغاز المغاربي الأوروبي، بتكلفة تصل إلى 400 مليون دولار، وهذا الخط يمثل خطوة استراتيجية لربط إنتاج الغاز المحلي بشبكة التصدير العالمية، وخاصة نحو الأسواق الأوروبية التي تشهد طلباً متزايداً على الغاز الطبيعي.
ورغم أن خط الغاز المغاربي الأوروبي كان تاريخياً وسيلة لنقل الغاز الجزائري إلى أوروبا عبر المغرب، أعاد المغرب استخدام هذا الخط بشكل عكسي للحصول على الإمدادات من أوروبا بعد قطع العلاقات مع الجزائر عام 2021، فيما يظهر هذا التحول مرونة المغرب في التعامل مع التحديات الجيوسياسية، والاستفادة من موقعه الجغرافي المتميز كحلقة وصل بين أفريقيا وأوروبا.
ومنذ دخولها السوق المغربية، استثمرت شركة "ساوند إنرجي" أكثر من 160 مليون دولار في عمليات التنقيب وتطوير البنية التحتية لحقل "تندرارا"، وفي خطوة استراتيجية لتأمين تمويل إضافي، باعت الشركة 55% من حصتها لشركة "مناجم" المغربية، مقابل 45 مليون دولار، فيما يحتفظ المكتب الوطني للهيدروكربورات والمعادن بحصة 25%، وهذه الشراكات تعكس التزام الأطراف الدولية والمحلية نجاح المشروع، كما تسلط الضوء على أهمية التعاون بين القطاعين العام والخاص في تطوير مشاريع الطاقة الكبرى.
ورغم الآفاق الواعدة للمشروع، فإن الطريق ليس خالياً من التحديات، وفق ما أكده الخبير لوحيدي لـ"النهار" مشيراً إلى أن تكلفة تطوير البنية التحتية اللازمة للإنتاج والتسييل والنقل تُعد أكبر العقبات أمام المشروع، إذ تصل استثمارات المشروع إلى مئات ملايين الدولارات. إضافة إلى ذلك، فإن التقلبات في أسعار الغاز عالمياً، والتغيّرات في الطلب الأوروبي على الطاقة، قد تؤثر على الجدوى الاقتصادية للمشروع واستدامته على المدى الطويل.
ويُرتقب أن يكون للمشروع تأثير إيجابي عميق على الاقتصاد المغربي، إذ من المتوقع أن يدعم المشروع الصناعات المحلية المرتبطة بالطاقة، ويوفر فرص عمل جديدة، ويعزز قدرات المملكة التصديرية. كما أن بيع الغاز الطبيعي المُسال لشركة "أفريقيا غاز"، التابعة لمجموعة "أكوا" المغربية، سيسهم في تنشيط سوق الطاقة المحلي، ويضمن استدامة الإمدادات للقطاعات الصناعية الكبرى.
ولا يقتصر المشروع على الإنتاج الحالي فقط، بل يشمل خططاً مستقبلية لتوسيع عمليات التنقيب والإنتاج. وتخطط شركة "ساوند إنرجي" لاستثمار 25 مليون دولار في حفر آبار استكشافية جديدة، باستخدام تقنيات زلزالية متطورة لاستكشاف موارد الغاز في مناطق أخرى في المملكة، وخاصة في المناطق الوسطى.
ويمثل الموقع الجغرافي المميز للمغرب، عند تقاطع أفريقيا وأوروبا، ميزة استراتيجية تسهّل تسويق الغاز الطبيعي المسال في الأسواق الأوروبية.
ويُظهر مشروع "تندرارا" أنه يمكن لبلد مثل المغرب، رغم تحدياته الجيوسياسية ومحدودية موارده التقليدية، أن يتحول إلى لاعب رئيسي في قطاع الطاقة.