حرّك الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، قبل بضعة أسابيع، عجلةَ الحوار مع الطبقة السياسية في البلاد عبر استقباله عدداً من قادة الأحزاب تِباعاً.

ولئن لم تطلق الرئاسة الجزائرية أيّ  تسمية على اللقاءات التي بدأها تبون مع الأمين العام لـ"التجمع الوطني الديموقراطي" مصطفى ياحي ثم مع رئيس حزب "حركة مجتمع السلم" عبد العالي حساني وقادة سياسيِّين آخرين ولا تزال مفتوحةً أمام باقي الأحزاب المعتمدة، فإن تصريحات ياحي وحساني أفادت بأنها لا تعدو أن تكون لقاءاتٍ تشاورية بشأن عدد من الملفات الوطنية.

لكن بعض المحللين يذهبون إلى اعتبار لقاءات الرئيس تبون والطبقة السياسية حواراً غير مُعلن ضمن نطاق ما دعا إليه في خطاب حلف اليمين الدستورية  لولاية ثانية في أيلول / سبتمبر الماضي.

ويرى المحلل السياسي عبد الحكيم بوغرارة أن لقاءات الرئيس تبون في الآونة الأخيرة "تدخل في سياق التحضير للحوار السياسي الوطني الذي اقترحه قبل أشهر قليلة".
ويذكّر بوغرارة في حديث لـ"النهار" بأن الرئيس الجزائري أكد في أحد لقاءاته الإعلامية أن الحوار الذي أعلن عنه بُعيدَ أدائه اليمين الدستورية سيجرى نهاية 2025 أو بداية 2026 "لذا فإني أعتقد أن اللقاءات الحالية تدخل ضمن إطار الدفع بالنقاش السياسي والممارسة الديموقراطية من خلال إشراك الأحزاب السياسية في طريق الوصول إلى مخرجات مهمة للحوار المرتقب".

ويستند بوغرارة إلى ما سبق من حوارات ليقول إن "مبادرات الرئيس تبون السياسية الجارية هي عكس ما كانت عليه الحال في مبادرات الحوار السابقة المُستنسخة التي لم تفضِ  إلى أيّ نتائج ميدانية".

وقبل بضعة أسابيع نادت أصواتٌ سياسية حزبية وغير حزبية بضرورة التعجيل في الحوار الوطني وكسب الوقت في ظل التحديات التي تواجهها البلاد، وخاصة الخارجية منها.

وبالنسبة إلى بوغرارة، فإن السلطات الجزائرية تتريَّث في إطلاق حوار وطني شامل مثلما قرره الرئيس، مشيراً إلى أن هناك "أولويات تدعوها إلى عدم التعجُّل عبر مباشرة الإصلاحات في  القوانين الأساسية في الحياة العامة والسياسية أيضاً".

ويذكُر بوغرارة بعض مشاريع القوانين التي جرى الإعداد لها وأُرسلت إلى البرلمان على غرار قوانين البلدية والولاية والأحزاب والجمعيات، وطرحها للنقاش كمحطات وملفات متعلقة بالحوار الوطني "الذي يناقش تسيير مختلف مؤسسات الدولة للوصول إلى الديموقراطية التشاركيّة بقوانين تكون عاكسةً للواقع ومُستجيبة لمختلف الانشغالات الاجتماعية والسياسية".

ويلفت إلى أن "ما يقوم به الرئيس تبون هو نوعٌ من الوفاء بوعوده الانتخابية بتكثيف التشاور والانفتاح على مختلف القوى الوطنية من دون إقصاء"، مؤكداً أن ذلك "يدخل في سياق تقوية الجبهة الداخلية لمواجهة مختلف التحديات الإقليمية والدولية التي أصبحت تستثمر في الاختراقات في مختلف ملفات الداخل الجزائري ومحاولة التحريض على التمرد والعصيان".

ويعتقد بوغرارة أن "الجزائر، لإلمامها بالحروب الهجينة، فإنها تُحاول استباقَ الأحداث من خلال هذه الديناميّة السياسية المنقسمة إلى شق وطني وشق إقليمي وشق آخر دولي"، لافتاً إلى الزيارات المكوكية التي تقوم بها وزارة الخارجية الجزائرية وعدد من مبعوثي الرئيس تبون لمختلف الدول الأفريقية والعربية، وكذلك نشاطها الدؤوب عبر الأمم المتحدة ومحاولة تركيز العلاقات وتقويتها وتبيان الوجهة الحقيقية للبلاد شرقاً وغرباً. 

ويشير بوغرارة إلى أن السلطة في الجزائر تُريد التأكيد أن "الانشغالات الوطنية دائما هي في صَدارة اهتماماتها من خلال ملفات مجالس الوزراء واللقاءات مع مختلف الأحزاب، وكذلك مسايرة التحولات الإقليمية للحفاظ على الأمن القومي ومحاولة حل مختلف الأزمات التي تحيط بها"، معتقداً أن الجزائر "ستحافظ على الأجندة نفسها بالنظر إلى كثرة الملفات السياسية التي تنتظرها، وخاصة انتخابات مجلس الأمة والانتخابات النيابية والمحلية"، بالإضافة إلى الملفات الاجتماعية على غرار متطلبات شهر رمضان ومواسم الأعياد الدينية والوطنية والاستحقاقات المدرسية والجامعية "وبالتالي فإن الرئيس الجزائري لن يستعجلَ موعد الحوار الوطني بل سيُحافظ على ما قرّره سابقاً، في نهاية العام أو بداية العام المقبل على أقصى تقدير".