شمال إفريقيا 12-01-2025 | 16:01

قبائل ليبيا امتداد تاريخي في بنية نظام الحكم... هل تجاوزه الزمن؟

وجهت البعثة الأممية في ليبيا اهتمامها خلال الأسابيع الأخيرة إلى القبائل ضمن مساعيها لتوسيع دوائر الحوار بهدف تحقيق مصالحة مجتمعية تمهد لحلحلة الأزمة السياسية، وتواكب ذلك مع تنافس الأفرقاء على مغازلة شيوخ القبائل واكتساب ودّهم.

القاهرة- أحمد مصطفى

المصدر: النهار

قبائل ليبيا امتداد تاريخي في بنية نظام الحكم... هل تجاوزه الزمن؟

دور مستجد لقبائل ليبيا

مع تفاقم الأزمة الليبية وتصاعد التكهّنات بأن القادم قد يكون أسوأ، برز دور قوى محلية على رأسها القبائل، التي شكّلت على مرّ عقود قوة مجتمعية ضاربة، لطالما ربط صنّاع القرار بين بقائهم في مناصبهم وبين احتوائها ونسج تحالفات مع شيوخها.
ووجّهت البعثة الأممية في ليبيا اهتمامها خلال الأسابيع الأخيرة إلى القبائل ضمن مساعيها لتوسيع دوائر الحوار، وهدفها تحقيق مصالحة مجتمعيّة تمهّد لحلحلة الأزمة السياسية. تواكب ذلك مع تنافس الأفرقاء على مغازلة شيوخ القبائل واكتساب ودّهم، مما أعاد تسليط الضوء على الدور المحوريّ الذي لطالما لعبته القبائل في المجتمع الليبي.
وينظر في ليبيا إلى القبائل كمكوّن أساسيّ يقوم عليه المجتمع. وعلى مرّ التاريخ لعبت دوراً مؤثراً في تركيبة الدولة وتشكيلة حكمها، بعدما كانت في قلب معركة الاستقلال خلال حقبتي الاحتلال العثماني ومن بعده الإيطالي، وفق الباحث الليبي في شؤون القبائل الليبية والأفريقية خميس مفتاح.
وكان الرئيس الراحل معمر القذافي اعتمد على القبائل في تثبيت حكمه لما يقرب من أربعة عقود متواصلة، فسمح لها بالمشاركة في حكم أغلب المدن، ومنح أبناءها مسؤوليات في نظامه، وفق المحلّل السياسي الليبي إدريس إحمدي، الذي أكّد لـ "النهار" الدور المحوري الذي لعبته القبائل، واجتماعها في مواجهة الاحتلال الإيطالي، لا سيما في معركة القرضابية في نيسان (أبريل) عام 1915، والتي تُعرف بمعركة الوحدة الوطنية، مشيراً إلى أن القبائل تُشكّل النسيج الاجتماعي في ليبيا؛ ففي أحيان تجد مدينة تُسيطر عليها قبيلة واحدة كبيرة، وفي أحيان أخرى تتقسم المدينة بين قبائل عدة. وهذا التنوّع شكّل الحياة المدنية في المدن الرئيسية، لاسيما في العاصمة طرابلس.
ووفقاً لخريطة توزّع كبرى القبائل على الرقعة الليبية، فإن قبيلة ورفلة هي الأكبر في المنطقة الغربية، إذ يتجاوز عدد أفرادها المليون نسمة. بعدها تأتي قبيلة ترهونة، التي تتشكّل من نحو ستين قبيلة فرعيّة، فيما تُشكّل القبائل المتمركزة في أقصى الغرب، وبالقرب من الحدود مع تونس، الأقليّات الأمازيغية في ليبيا، في حين تتمركز في الجنوب الغربي بشكل رئيسيّ قبائل الطوارق والتبو.
وتأتي قبيلة برقة على رأس قبائل الشرق الليبي، بالإضافة إلى قبائل الجبارنة والحرابي والمرابطين. وفي الوسط، هناك قبائل القذاذفة والمقارحة، وفي الجنوب الشرقي فزّان والحساونة.
المحلل السياسي إحميد يشير لـ "النهار" إلى أنه منذ عام ٢٠١١ حصل انقسام بين القبائل، فبعضها خرج على القذافي ونظام حكمه، وبعضها الآخر كان مؤيداً لاستمراره؛ وهذه الحالة استمرّت. ولفت إلى أن الخلافات تقتصر على بعض الزعامات القبلية، وهناك بعض المظالم التي وقعت، لكن معالجتها ليست صعبة، لاسيما أنها خلافات فردية، ولا يمكن تعميمها على القبائل التي ترتبط بروابط النسب في ما بينها.
لكن خميس رفض بشدّة تقسيم القبائل، نافياً انعكاس الانقسام السياسي الذي تعانيه بلاده على تركيبة القبائل، بل يرى عكس ذلك، وأن "هناك روابط اجتماعية متينة بين كلّ القبائل وتبادلاً للزيجات بين العائلات".
وأكد رئيس حزب "السيادة الوطنية" إبراهيم بن عمران أن "التركيبة الاجتماعية في ليبيا متينة، ويرجع الفضل إلى حكماء القبائل وشيوخها في لملمة أيّ خلافات. ولا توجد خصومات بين الليبيين بقبائلهم المختلفة غرباً وشرقاً وجنوباً، كما لا توجد خلافات بين القبائل وقوميات الأمازيغ والتبو والطوارق بل إن السلام يجمعها".
ويرى بن عمران أن التدخّل الأجنبي بعد أحداث شباط (فبراير)2011 حاول زرع الفتنة بين مكوّنات الشعب الليبي، بالإضافة إلى تدخّل التيار الإسلامي الراديكالي على خطّ المشهد، ومحاولته تأجيج الصراعات والحروب بين مدن شرق ليبيا وغربها.
أما بخصوص التعويل على دور القبائل في تخفيف حدّة التوتر في المشهد الليبي والذهاب إلى توافق سياسي، فقلّل الباحث خميس من جدوى الاجتماعات الأخيرة بشيوخ القبائل وعقالها، واصفاً إياها بـ "مجرد حبر على ورق"، في الوقت الذي أكّد لـ "النهار" تراجع دور القبائل خلال السنوات الأخيرة في ظلّ تحكّم الجماعات المسلّحة بالمشهد. كذلك اشتكى من غياب الدعم العربي والدولي للقبائل، وتجاهل دورها في الأمن والاستقرار.
أما إحميد فيشدّد على اتفاق عام لدى الشعب الليبي على ضرورة المصالحة الوطنية وإجراء انتخابات يشارك فيها الجميع، لافتاً إلى قناعة وصل إليها الليبيون بضرورة بناء دولة يقتصر فيها دور القبائل على الدور الاجتماعي.
بالمثل، أشار رئيس حزب السيادة الوطنية إلى أن "دور القبائل يقتصر على البعد الاجتماعي، ولا علاقة لها بالجوانب السياسية. ونتمنّى حلحلة الانسداد السياسيّ والوصول إلى إجراء انتخابات بعيداً عن القبليّة والمحاصصة".
وأرجع بن عمران حضور شيوخ القبائل الاجتماعات الأخيرة للحوار إلى اقتراح قدّمته الأحزاب الليبية إلى البعثة الأممية لتوسيع دائرة الحوار السياسي حتى يشمل كلّ الأطراف الليبية، سواء أكانت نقابات مهنية أم مؤسّسات مجتمع مدنيّ ونخباً؛ وحتى يتحول المتحكمون في السلطة إلى أقلية على أيّ طاولة تعقد مستقبلاً للحوار السياسي.