جدّد حادث وفاة سائح إيطالي، وإصابة آخر، جراء هجوم أسماك القرش في منطقة مرسى علم السياحية، المخاوف في مصر من استمرار هذه الهجمات المميتة، إذ شهد شهر حزيران (يونيو) من العام الماضي مقتل سائح روسيّ.

وتلقّت وزارة البيئة والأجهزة الأمنية بالبحر الأحمر بلاغاً، يوم الأحد، يفيد بتعرّض سائحين أجنبيين لهجوم سمكة قرش في مرسى علم، مما أدى إلى إصابة أحدهما ووفاة الآخر. وقد تمّ نقلهما إلى مستشفى بورتو غالب، وأُحيلت الواقعة إلى التحقيق.

وأوضحت التحقيقات الأولية أن الحادث وقع في المياه العميقة خارج منطقة السباحة المحددة بشمال المنطقة، وأن السائحين يحملان الجنسية الإيطالية، وكانا يقيمان في إحدى القرى السياحية بالكيلو 40 شمال مرسى علم.

وازدادت وتيرة هجمات القروش المميتة أخيراً في مصر، إذ احتلّت البلاد المرتبة الخامسة عالمياً في عام 2023، بين الدول التي يكون البشر فيها أكثر عرضة لهجمات أسماك القرش، بحسب قاعدة بيانات "الملف الدولي لهجمات أسماك القرش".

وأصدرت الدكتورة ياسمين فؤاد، وزيرة البيئة، قراراً برفع حالة الاستعداد والمتابعة اللحظية في محميات البحر الأحمر للتحقيق في حادث هجوم سمكة قرش في المياه العميقة شمال مدينة مرسى علم. وقرّرت  تشكيل لجنة عاجلة بالتنسيق مع محافظة البحر الأحمر والجهات المعنية للتحقيق في أسباب الحادث.

وأكدت الوزيرة أن التعامل مع الحادث يتم في إطار الإجراءات العاجلة، إذ سيتم إغلاق منطقة السقالات ومنع السباحة فيها لمدة يومين، اعتباراً من الإثنين الماضي. وأشارت إلى وجود تعليمات مشدّدة مسبقة بمنع السباحة من على السقالات، وسيتم إجراء المتابعة اللازمة لمراقبة الأوضاع في موقع الحادث ومناطق المسح المستهدفة.



إطعام القروش
أثار الحادث تفاعل شخصيات عامة، وعبر منصة "إكس"، أرجع رجل الأعمال المصري نجيب ساويرس سبب هجوم القرش إلى مراكب الصيد، التي تلقي مخلّفاتها في البحر، مطالباً بمنع الصيد التجاري في المنطقة السياحية، لأن عائد السياحة يفوق عائد الصيد الذي يدمّر الشعاب ويستنزف الثروة السمكية، بحسب رأيه.

من جهته، لا يرى أستاذ الأحياء المائية في جامعة قناة السويس، ومستشار وزير البيئة السابق، الدكتور طارق تمراز، أن الصيد الجائر وحده هو السبب في مثل هذه الحوادث، لافتاً إلى أن توقيت السباحة يلعب دوراً كبيراً. إذ إن السباحة في وقت تغذية أسماك القرش يتسبّب بمهاجمة البشر.

ويوضح تمراز، في حديث لـ"النهار"، بأن "أوقات تغذية أسماك القرش تكون عند الغروب والشروق، بالإضافة إلى منتصف النهار، ويحظر السباحة في المياه المفتوحة خلال هذه الأوقات".

ويرصد الأكاديمي المصري سبباً آخر لهذه الحوادث، فيقول: "تقع الحوادث، غالباً، في أماكن سبق إطعام أسماك القرش فيها، حيث تلقي المراكب السياحية الطعام لجذبها وإخراجها من المياه ليتمكّن السياح من التقاط الصور. هذا السلوك يدفع أسماك القرش إلى البحث عن الطعام في نفس الأماكن، مما يجعلها خطرة".

ويتابع: "الأنشطة السياحية تبدو كعامل جذب لأسماك القرش بالقرب من هذه الأماكن في المياه المفتوحة، وأي عملية سباحة في نطاقها تعرّض كل من يسبح بالقرب منها لخطر الهجمات".

الحدّ الحرج
من جانبه، يوضح الدكتور محمود حنفي، أستاذ البيئة البحرية في جامعة قناة السويس والمستشار العلمي لمحافظة البحر الأحمر، لـ"النهار"، بأنّ ظاهرة هجوم القرش على البشر في البحر الأحمر حديثة العهد نسبياً، وقد بدأت بالتزايد منذ عام 2009.

وأكد أن "معظم هذه الحوادث غير قاتلة، وأن عددها ضئيل للغاية مقارنةً بحوادث الطرق، خاصةً أن البحر الأحمر يشهد حوالي 9 ملايين عملية غطس وغوص سنوياً". هذه الظاهرة ليست مقتصرة على البحر الأحمر، بل تحدث في مناطق أخرى في العالم".

ويرى الدكتور حنفي أن "السبب الرئيسي لهجمات القروش هو انخفاض مخزون الأسماك في البحر الأحمر إلى مستوى حرج، مما يستدعي الحدّ من أنشطة الصيد، خاصةً الصيد الجائر الذي يستهدف مواسم تكاثر الأسماك. ولكن الظروف الاقتصادية والاجتماعية للصيادين تُعيق تحقيق ذلك".

ويضيف أن "تراجع أعداد الأسماك لا يعزى إلى الصيد الجائر فحسب، بل أيضاً إلى فقر مياه البحر الأحمر بالمغذّيات". ويُشبّه الدكتور حنفي البحر الأحمر بالصحراء، حيث تفتقر مياهه إلى المواد العضوية الحيّة التي تُساعد على ازدهار الأسماك، وبالتالي تُقلّل من فرائس أسماك القرش.

يتسبب سلوك المراكب السياحية العشوائي في هجمات مميتة من أسماك القرش

إجراءات عاجلة
يرى الدكتور طارق تمراز ضرورة التوعية للمراكب السياحية، ويقول إن "عملية إطعام أسماك القرش تجرى بشكل احترافيّ في دول أخرى، لكن ما يحدث في مصر عشوائي ويعرض سلامة البشر للخطر. يجب أيضاً حظر السباحة نهائياً في المياه المفتوحة".

من جهته، يطالب الدكتور محمود حنفي بضرورة تبنّي برنامج وطنيّ للحدّ من جهد الصيد (عدد المراكب والصيادين) بما لا يقلّ عن 70 في المئة من الوضع الحالي، ودمج الصيادين في قطاع السياحة، إلى جانب الحد من نطاق الصيد الترفيهي.

ويوضح  بأن "أسماك القرش من الموارد السياحية المهولة التي يجب الحفاظ عليها، إذ يأتي السياح لرؤيتها أثناء رحلات الغطس. وكلّ سمكة قرش تدر دخلاً يقدّر بنحو 200 ألف دولار سنوياً، بحسب التقديرات المستندة إلى عدد حالات الغطس والغوص سنوياً في مصر".