حمل العدد الأخير للجريدة الرسمية الجزائرية مرسوماً رئاسياً كلف بموجبه الرئيس عبد المجيد تبون هيئة مراقبة مالية تابعة لوزارة الدفاع الوطني، تتولّى مهمة الرقابة والتدقيق المالي لصرف موازنات الجيش، والقيام بالتفتيش المالي على مجموع المؤسسات والهيئات التابعة للمؤسسة العسكرية، بالتنسيق مع مجلس المحاسبة الحكومي (يعتبرُ أعلى هيئة للرقابة على أموال الدولة والجماعات الإقليمية والمؤسسات العمومية). 

وكُلفت الهيئة مراقبة الحسابات في مختلف هيئات وزارة الدفاع الوطني وهياكلها والمُؤسسات التابعة لها أياً كانت طبيعتها القانونية، وأيضاً التدقيق والتفتيش والتحليل والدراسة والتقييم على مستوى مختلف هذه الهيئات والمؤسسات.  

وتسهرُ هذه الهيئة على "الاحترام الصارم للأحكام التشريعية والتنظيمية في مجال الحفاظ على الأموال العمومية وحماية ممتلكات الدولة المخصصة لوزارة الدفاع الوطني والتسيير الناجع للموارد البشرية والحفاظ على حقوق المستخدمين والقواعد المطبقة في مجال الوقاية الصحية والأمن والطب والحماية الاجتماعية والقواعد المتعلقة بالأمن الصناعي وحماية البيئة والممتلكات الثقافية الواقعة ضمن النطاقات العسكرية".

وطرحت الخُطوة تساؤلات لدى المتتبعين عن الدلالات التي تحملها، لا سيما أنها جاءت في وقت أثير فيه نقاش سياسي حول تعاظم موازنة الجيش الجزائري التي ارتفعت إلى أكثر من 25 مليار دُولار، أي ما يعادل 3349 مليار دينار جزائري، بارتفاع يُقدر بثلاثة مليارات دُولار مُقارنة بموازنة 2024، وبررها المتتبعون للمشهد الأمني في البلاد بتعاظم استحقاقات الأمن والدفاع الوطني واتساع رقعة الأخطار المُرتبطة بالإرهاب والاضطرابات في منطقة الساحل الأفريقي والجريمة والهجرة غير الشرعية والاتجار بالبشر والمخدرات التي باتت تُهدد أمن البلاد، لا سيما أن الجزائر محاطة بمجموعة من الدول التي تعاني من ضعف أمني كبير على غرار الأوضاع في شمال مالي والنيجر وليبيا.

مبدئياً، وُصفت الخطوة بـ "الطبيعية" قياساً بتوازيها مع وجود هيئات ممُاثلة مُكلفة مُحاربة الفساد الذي ضرب كل المؤسسات بما فيها المؤسسة العسكرية خلال العقدين الماضيين. ويقول المُحلل السياسي احسن خلاص، لـ"النهار"، إن "هذه الخُطوة تعدُ أمراً طبيعياً ومُتوقعاً بالنظر إلى الفساد الذي ضرب كل المؤسسات بما فيها المُؤسسة العسكرية التي يُوجد بعض ضُباطها قيد السجن والمُلاحقة القضائية بعد أن تمت إدانتهم بتهم فساد واستغلال النفُوذ، وتزدادُ أهميتها عندما نلاحظ أن وزارة الدفاع الوطني تحوز  أكبر موازنة تُقارب 25 مليار دولار لعام 2025 ما يستوجبُ تشديد الرقابة على صرف المال العام، خصوصاً أنه تم توسيع هياكل الجيش ومهماته وتزويده وسائل ومُعدات حديثة تُواكب التطورات الحاصلة بالميدان".

وأبرمت الجزائر في العامين الأخيرين صفقات ضخمة للحصول على منظومات دفاعية جوية حديثة، ووفق تقرير حديث صدر عن مركز تحليل التجارة العالمية للأسلحة فقد وقعت الجزائر صفقة لشراء 12 مروحية هجومية من طراز Mi-28 "صياد الليل" من روسيا، ومن المقرر أن تشرع في تسلم هذه المروحيات في 2025، وتبلغ قيمة هذه الصفقة التي أبرمت في 2023 نحو 2.7 مليار دولار.

وحسبما هُو معمول به، لا تتم مُناقشة موازنة الجيش، حتى في البرلمان، فالقانون المُنظم لعمل غُرفتي البرلمان والعلاقات مع الحُكومة الذي صدر في كانون الأول (ديسمبر) 2023 يحول دُون ذلك، إذ تنص المادة 87 مُكرر المُتعلقة باطلاع نواب البرلمان على المعلومات والوثائق خلال مُمارسة مهماتهم الرقابية، على أنه "يُستثنى من ذلك المعلومات والوثائق التي تكتسي طابعاً سرياً واستراتيجياً يتعلقُ بالدفاع الوطني وأمن الدولة الداخلي والخارجي"، كذلك يحول القانون دون استجواب الحكومة في المسائل المتعلقة بالدفاع الوطني، والعلاقات الخارجية أيضاً، إذ ينص أيضاً على أنه "يمكن لأعضاء البرلمان بغرفتيه استجواب أو مساءلة الحكومة في المجالات والمسائل ذات الأهمية الوطنية، باستثناء المسائل المتعلقة بالدفاع الوطني، وأسرار الدولة في العلاقات الخارجية"، كونها قطاعات يختص بها رئيس الدولة.