لماذا تراهن أميركا على التعاون العسكري مع تونس؟

فيما تعيش المنطقة على وقع تغييرات متسارعة ودراماتيكية أحيانا، أُعلن في تونس قبل أيام عن صفقة تسليح جديد لجيشها.
وكشفت وزارة الخارجية الأميركية الأسبوع الماضي موافقتها على صفقة بيع محتملة لصواريخ "جافلين" إلى تونس بكلفة تقدّر بـ107.7 ملايين دولار.
تأتي صفقة الصواريخ الأميركية بعد أيام قليلة على تسليم الولايات المتحدة تونس عددا من الطائرات من نوع "سي - 130"، وقبلها طائرات "سي - 208"، وهو ما يطرح العديد من التساؤلات عن خلفياتها وعلاقتها بالتطورات في المنطقة مشرقاً ومغرباً.
ارتدادات سورية محتملة
منذ إسقاط النظام في سوريا تعالت أصوات في تونس محذرة من ارتدادات ذلك على البلد الذي عاش أوضاعاً مشابهة عام 2011.
وحذر كثيرون من إمكان عودة آلاف المقاتلين من دول شمال إفريقيا ممن هاجروا في اتجاه سوريا بعد حوادث 2011 وانضموا إلى الجماعات الإرهابية حينها، وخصوصاً في ظل حالة عدم الاستقرار الأمني والسياسي التي لا تزال ليبيا تتخبط فيها، علاوةً على توسع نشاط هذه الجماعات في الساحل الإفريقي.
وتأتي صفقة صواريخ "جافلين" الجديدة والمناورات العسكرية المشتركة في وقت يقول فيه الخبراء إن هناك تنافساً كبيرا بين الولايات المتحدة وروسيا على تعزيز حضورهما في إفريقيا وفقدان المعسكر الغربي نفوذه في منطقة الساحل، مقابل ترسخ النفوذ الروسي حليفا بديلا.
صفقة روتينة
يقول العميد والمحلل السياسي خليفة الشيباني لـ"النهار" إن هذه الصفقة "عادية وتدخل في إطار سعي تونس إلى تعزيز قدرات جيشها".
ويشير إلى أن "العلاقات والتعاون العسكري بين تونس والولايات المتحدة قديمة ووثيقة، وما يحدث اليوم من تطورات في هذا الصدد يدخل في مجال سعي البلدين إلى تطوير شراكتهما التقليدية".
ويوضح أن "تونس ككل دول العالم تعمل على تحسين قدرات جيشها سواء من الناحية اللوجيستية أو التكوينية"، مذكرا بالمناورات الأخيرة التي احتضنها الجنوب التونسي وشاركت فيها دول تحت إشراف أميركي. لقد رأينا مناورات مشتركة مع حلف شمال الأطلسي والولايات المتحدة في إطار تبادل الخبرات والتجارب والاطلاع على كل المستجدات في ما يخص البرمجة والاتصالات وعمل الوحدات".
ويعتبر أن "كل دولة لها قراءاتها للأوضاع، وبناء على ذلك تتخذ قراراتها في شأن مقدرات جيوشها وترصد التمويلات لتحسينها".
وينفي الشيباني أن يكون لهذه الصفقة علاقة بما يحدث في المنطقة العربية "سواء في مشرقها أو في مغربها حيث لا تزال الأوضاع الأمنية في ليبيا غير مستقرة بينما تشهد العلاقات بين الجزائر والمغرب توتراً متصاعداً".
وينفي كذلك أن يكون هناك تركيز أميركي على تونس، مشدداً على أن "العلاقة مع واشنطن قديمة، حتى إنها منحت تونس عام 2015 صفة حليف أساسي من خارج في تحالف الناتو".
ويشير إلى أن "التعاون العسكري والتبادل الأمني التونسي قائم مع كل الشركاء التقليدين وليس مع أميركا فحسب".
دعم الضرورة
لكن ما يحدث في المنطقة العربية وشمال إفريقيا ومنطقة الساحل الإفريقي قد يكون على علاقة بالدعم المتواصل الذي تقدمه واشنطن لتونس في المجالين الأمني والعسكري وبقرار تونس إبرام صفقة صواريخ جديدة مع أميركا وفق العديد من المراقبين.
ويقول السفير والديبلوماسي التونسي السابق عبد الله العبيدي: "لا يمكن تقديم قراءة صحيحة لما يحدث في المنطقة. مع التطور المفاجئ للأحداث بات الكل عاجزاً عن تقديم تحليل مقنع أو توقع صحيح لما قد يحصل".
في المقابل، يقول إن من الطبيعي أن تتأثر تونس بما يحدث في محيطها وأن تؤثر فيه، رغم صغره مساحتها.
ويرى أن الصفقة الجديدة للصواريخ "تأتي فيما تعقد دول مجاورة صفقات كبرى لدعم جيوشها وتشهد المنطقة تغييرات كبيرة".
ويلاحظ الديبلوماسي التونسي السابق أن التعاون العسكري بين تونس وأميركا يشهد زخماً في الفترة الأخيرة. ويشدد لـ"النهار" على أن "هناك وعيا من واشنطن لأهمية تونس وخصوصاً موقعها الجغرافي في المنطقة. فلقد كانت تاريخياً في قلب الصراعات بين كل الأمبراطوريات التي حكمت العالم وسيطرت عليه. ورغم صغر مساحتها، تملك موقعا ربما هو الأخطر عالمياً لأنها تطل على أهم ممرات العبور البحرية في العالم".
ويضيف أن أميركا "تعقد طموحات كبيرة على المنطقة ولا ترغب في فقدان نفوذها، وترى أنه يمكنها تغيير موازين القوى في العالم عبرها، لذلك تسعى إلى أن يكون حضورها في تونس قوياً في ظل منافسة شرسة من المعسكر الغربي، وهذا ما نستشفه من الدعم العسكري لتونس والذي لم ينقطع منذ 2011".
ويشير العبيدي إلى أن "تونس يجب أن ترصد التحولات في المنطقة وتجمع المعلومات وتحرص خصوصاً على الابتعاد عن الاصطفاف مع هذا المحور أو ذاك، وأن تحافظ على علاقات ممتازة مع المعسكرين الشيوعي والغربي وتتجنب نشوب أي عداوة مع أحدها"، لافتا إلى أن "ذلك كان من ثوابت الديبلوماسية التونسية منذ بداية الاستقلال، وهو ما حمى تونس من أي نزاعات أو صراعات خارجية".