على حين غرَّة، اتجه عشرات المهاجرين الأفارقة المقيمين في الجزائر نحو عماراتٍ غير مأهولة في منطقة الرحمانية في الضاحية الغربية للعاصمة، واستولوا على شققها وصعدوا إلى أسطحها رافعين أصواتهم محتجين ومنددين بظلم يلاحقهم بعدما ساهموا كعمال في إنجاز العديد الأحياء السكنية في مناطق كثيرة من محافظات البلاد.
ومنذ حوالى عقدين من الزمن بدأ التدفق اللامنتهي للآلاف من شباب بلدان الساحل الصحراوي وجنوب الصحراء الأفريقية نحو الجزائر، جاعلين منها محطة عبور نحو "الجنة الأوروبية".
وعندما أحكم الاتحاد الأوروبي قبضته على ملف الهجرة وأخذت الفرص تتضاءل، لم يجد هؤلاء النازحون من حل سوى الاستقرار في الجزائر، بخاصة في المدن الشمالية حيث تتوافر فرص العمل والاسترزاق بشتّى الطرق.
وساهم التحول الاقتصادي والحركة التنموية التي تعرفها الجزائر خلال السنوات الأخيرة، وارتفاع مساحات الزراعة وورش العمل والبناء ، في جعلها منطقة جاذبة لأعداد كبيرة من الأيدي العاملة من هؤلاء النازحين الذين وجدوا أنفسهم أمام فرص عمل، بخاصة في مجالي البناء والزراعة اللذين بات ينفر منهما أبناء البلد.
وتشغِّل مؤسسات البناء، بالإضافة إلى العاملين المحليين، يداً عاملة أجنبية تقتصر أحيانا على المهاجرين النازحين وهؤلاء طفح بهمُ الكيل أمام تعنت الشركات المستخدِمة لهم في منحهم حقوقهم المادية، ما دفعهم إلى الاحتجاج بطريقة لم ترق للسلطات في الجزائر، إذ احتلوا العمارات والمساكن في موقف احتجاجي فريد من نوعه أصاب السكان والسلطات في الجزائر بالذهول، ما استدعى تدخل قوات الدرك والأمن الجزائري.
إسماعيلا وعمر مهاجران من النيجر، يشتغلان في ورشة للبناء بالقرب من منطقة الرحمانية، قالا لـ"النهار" إن إدارة الشركة تماطل دوما في دفع مستحقاتهما المالية، وأحيانا تنقصها من دون وجه حق، "4 أشهر من العمل المتواصل من دون رواتب أيعقل هذا!؟" شرح إسماعيلا بنبرة غاضبة.
"لم نكن لنحتج بتلك الطريقة لو منحتنا الشركة رواتبنا المتأخرة" أضاف زميله عمر . عن أي شركات تتحدث، الجزائرية أم الأجنبية؟ أجاب: "لا، لا هي ليست جزائرية بل من جنسية أخرى".
وعن طريقة الاحتجاج قال: "كنا نعلم أن احتجاجاً كهذا سيلفت النظر، بخاصة مع الانتشار الذي تسهم فيه وسائل التواصل الاجتماعي، وهو ما حدث فعلاً. حقاً لم تكن لنا أي وسيلة أخرى لإيصال صوتنا بخاصة أننا مهاجرون غير شرعيين".
إسماعيلا وعمر عوملا وأصحابهما المحتجون بسلاسة أمنية عادية بعدما فكت السلطات الأمنية الجزائرية الاحتجاج وأنزلتهم من على أسطح العمارات وأخرجتهم من المساكن بروية.
وتؤكد الإعلامية مريم زكري أن تصرف العمال "يعكس أزمة تستدعي معالجة جدية على كل المستويات"، معتبرة "احتلال العمارات بتلك الطريقة واتخاذها ميداناً للاحتجاج تعدياً صارخاً على الملكية العامة في وقت كان يمكن لهؤلاء اتخاذ سبيل الأطر القانونية التي يتيحها القانون الجزائري مثل رفع شكاوى إلى الجهات المختصة"، واصفة ما حدث بـ"غير القانوني، ما يعرِّضهم للعقوبة الجزائية".
وفي واقع الأمر "تتحمل الشركات التي لم تدفع رواتب عمالها كيفما كانوا مسؤوليتها الكاملة عما جرى" ، أكدت زكري في حديثها إلى "النهار"، مضيفة أن "معالجة هذه القضية تتطلب التزاما صارما من الدولة والشركات من خلال العمل على تحسين الإطار القانوني للعمال من المهاجرين غير الشرعيين".
ورأت زكري أنه "لابد من تشريعات قانونية تُلزم الشركات بدفع مستحقات العمال بغض النظر عن وضعهم القانوني، وتفرض غرامات وعقوبات مشددة على المخالفين".
وغذت احتجاجات المهاجرين عبر منصات التواصل الأخبار الكثيرة المتداولة من قبيل اتخاذ السلطات الجزائرية قراراً بتهجير النازحين نحو بلدانهم، تزامنا مع زيارة المفوض السامي المساعد لشؤون العمليات في المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين مازو رؤوف للجزائر.
وفي هذا الشأن تعتبر زكري، إن "توقيت انتشار إشاعات عن تهجير قسري للمهاجرين الأفارقة بالتزامن مع زيارة المفوض الأممي لشؤون اللاجئين، يعد محاولة غير مجدية لتوجيه سهام مباغتة للسياسة الجزائرية بخصوص إدارتها ملف اللاجئين"، لافتة إلى أن مثل هذه الأخبار التي لم تثبت صحتها "هدفها إثارة الجدل الدولي الحقوقي العقيم، بخاصة أن الجزائر كثيرا ما أثبتت إنسانيتها في التعامل مع ملف اللاجئين والمهاجرين غير الشرعيين المقيمين على ترابها".
الأكثر قراءة
المشرق-العربي
12/6/2025 12:01:00 AM
لافتات في ذكرى سقوط نظام الأسد تُلصق على أسوار مقام السيدة رقية بدمشق وتثير جدلاً واسعاً.
المشرق-العربي
12/6/2025 1:17:00 PM
يظهر في أحد التسجيلات حديث للأسد مع الشبل يقول فيه إنّه "لا يشعر بشيء" عند رؤية صوره المنتشرة في شوارع المدن السورية.
منبر
12/5/2025 1:36:00 PM
أخاطب في كتابي هذا سعادة حاكم مصرف لبنان الجديد، السيد كريم سعيد، باحترام وموضوعية، متوخياً شرحاً وتفسيراً موضوعياً وقانونياً حول الأمور الآتية التي بقي فيها القديم على قدمه، ولم يبدل فيها سعادة الحاكم الجديد، بل لا زالت سارية المفعول تصنيفاً، وتعاميم.
اقتصاد وأعمال
12/4/2025 3:38:00 PM
تشير مصادر مصرفية لـ"النهار" إلى أن "مصرف لبنان أصدر التعميم يوم الجمعة الماضي، تلته عطلة زيارة البابا لاون الرابع عشر الى لبنان، ما أخر إنجاز فتح الحسابات للمستفيدين من التعميمين
نبض