لعبة إلكترونيّة تقتل مراهقاً في الجزائر.. مختصّون يدقّون ناقوس الخطر

هزت الجزائر، الشهر الفائت، جريمة قتل مروعة ذهب ضحيتها شاب في الـ18 من عمره، بعدما استدرجه مجهول عبر اللعبة الإلكترونية "فري فاير" التي سلبت عُقول الأطفال من سن الـ7 سنوات إلى المراهقة فتحولت إلى إدمان يصعب التخلص منه، والأخطر أنها ساهمت في ارتفاع نسبة العنف بين المراهقين خصوصاً ولجوئهم إلى سلوكيات منافية للأخلاق كالتسول والسرقة والعنف لتأمين رصيد الإنترنت.
وكشفت خيوط الجريمة، وهي الأولى من نوعها في الجزائر، أن الضحية اختفى عن الأنظار منذ 13 شهراً في بلدة بئر توتة (الضاحية الغربية للعاصمة الجزائرية)، بعدما استدرجه شخص عبر لعبة "فري فاير". الوقائع بحسب ما رواها والد الضحية لقناة محلية خاصة في منتصف تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي، تعود إلى أكثر من عام، وكان حينها ابنه على تواصل مع شخص يكبره سناً يبدو أنه تعرف إليه في إحدى غرف لعبة "فري فاير" المفضلة لدى المراهقين، وتطورت العلاقة بعدما أراد الرجل شراء حساب الضحية في اللعبة مقابل مبلغ زهيد يُقدر بـ10 ملايين سنتيم.
الوالد لم يكن، لدى حديثه إلى القناة قبل أيام قليلة، على علم بمصير ابنه المفقود، ومباشرة بعد بث الحديث تلقى اتصالاً من وكيل الجمهورية في منطقة بئر توتة أخبره فيه أنه عثر على ابنه مقتولاً منذ مدة بناءً على التحاليل التي أجريت.
ارتفاع منسوب العنف
وتحولت الجريمة إلى مادة دسمة للجزائريين، لا سيما للتربويين والباحثين الاجتماعيين الذين لطالما حذروا من التأثيرات السلبية للألعاب الإلكترونية وألعاب الفيديو على تحصيل الأطفال والمراهقين العلمي ومساهمتها الكبيرة في استفحال ظاهرة العنف اللفظي والجسدي داخل المؤسسات التربوية. فقد أصبحت عالمهم الوحيد بسبب قدرتها على المحاكاة والتفاعل والتأثير البصري والصوتي والحركي، ما يحدث ضرراً نفسياً كبيراً في شخصياتهم لأن بعضها مستوحى من الصراعات والحروب.
وفتحت الجريمة الباب للمطالبة بفرض رقابة صارمة على الألعاب المغلقة.
ويذكّر المختص الاجتماعي حسين زبير في حديث إلى "النهار" بدراسة قديمة حول طرق التعلم تتبنى نظرية التقليد الاجتماعي أو نظرية النمذجة، حيث يعيد الأطفال إنتاج السلوكيات نفسها التي شاهدوها على التلفزيون حينما يعودون للعب مع زملائهم، ويقول: "للأسف معظم الألعاب قائمة على مظاهر العنف، وهُنا تمكن الإشارة إلى لعبة صليل الصوارم (سلسلة إصدارات مرئية مكونة من أربعة إصدارات صدرت خلال الفترة الممتدة بين 2012 و2014) وببجي وغيرها من الألعاب، لينتقل فيها الطفل إلى مستوى متقدم من اللعبة، يجب أن يقتل الخصم المنافس، سواء أكان إنساناً أم حيواناً أم عائقاً مادياً باستخدام أسلحة مختلفة".
ويلاحظ زبير أن الأطفال باتوا أكثر ميلاً إلى العنف والوحدة والعزلة، وكثيراً ما يعمدون إلى تقليد أبطال بعض الألعاب الإلكترونية وألعاب الفيديو ونقل القوة والعنف من الواقع إلى العالم الافتراضي، ويؤكد أن "تلك المظاهر وجدت لها موقعاً في ذهن الأطفال وأصبحوا يترجمونها في شكل سلوكات عنيفة مع محيطهم، بالإضافة إلى الإدمان الذي يخلق لدى الطفل حالة نفسية غير مستقرة، إذ كثيراً ما يثور الطفل في حال خسارته أو في حال توقف اللعبة لسبب خارجي كانقطاع الإنترنت".
ويُمكنُ إيجاز أسباب استفحال ظاهرة العنف في المدارس في السنوات الأخيرة بالإدمان على هذه الألعاب التي أصبحت تُؤثر كثيراً على التحصيل العلمي للأطفال، بالإضافة إلى توليد الأفكار العنيفة لديهم، وهو ما يشرحه زبير بالقول إن "الشاشات والألعاب الإلكترونية تجذب الطفل من خلال الصوت والحركة ويصبح بذلك أقل قدرة على الانسجام والتكيف مع معلميه والمحيط الذي ينتمي إليه، والعنف هو أحد مظاهر عدم قدرة الطفل على التكيف مع محيطه، والأخطر من هذا أنه يلجأ إلى ترجمة ما شاهده مع زملائه بتقمّص شخصيات من هذه الألعاب، لا سيما دور الشخصيات العنيفة والمحورية".
ما العمل؟
ويبدو أن الإدمان الإلكتروني أصبح من أخطر القضايا التي تواجهها الأسر الحديثة، لا سيما مع تقدم العلم وتطوره وتفاقم الوضع، إذ فقدت الأسر السيطرة عليه منذ بداية تفشي جائحة كورونا التي أرغمت الجزائريين وغيرهم على البقاء في بيوتهم، فوجد الكثير منهم الحل في الألعاب الإلكترونية لتُلهي أطفالهم.
وهنا يرى زبير أنه "يجب البحث عن بدائل أخرى للترفيه عن الذات، وهذا ينطلق من الأسرة بالدرجة الأولى والتجمعات الأسرية، فهي تعتبر أحد العناصر الأساسية التي تساهم مساهمةً كبيرة في بناء روابط قوية وتعزيز العلاقات بين أفراد الأسرة".
ويمكن أيضاً التشديد على الدور الذي يجب أن تؤديه المدرسة في ظل التطور الهائل لتكنولوجيا الإعلام والاتصال بحكم بقاء الأطفال فيها لوقت طويل، ويرى زبير أن "المدرسة تعتبر مؤسسة تربوية بامتياز وهي المحيط الذي يمكن ممارسة التغيير فيه بكل علمية، كذلك يستند هذا إلى دعم كل مؤسسات التنشئة الاجتماعية بما فيها المسجد وجمعيات المجتمع المدني".
وقد وعت الجزائر هذا الخطر الذي بات يداهم مجتمعها، وأعلنت بلسان رئيسة المفوضية الوطنية لحماية الطفولة مريم شرفي التحضير لإنشاء خلية يقظة وطنية لحماية الطفولة من الأخطار والتهديدات التي يتعرض لها الطفل عبر مواقع التواصل، وذكرت شرفي أن "هذه اللجنة تتشكل من مختلف القطاعات الوزارية ذات العلاقة وكذا الأسلاك الأمنية وجمعيات المجتمع المدني الناشطة في مجال حماية الطفولة، مهمتها تنسيق جميع جهود كل المعنيين في مجال حماية حقوق الطفل". وأوضحت أن "فكرة إنشاء هذا الجهاز جاءت بمبادرة من قيادة الدرك وعُرضت على رئيس الوزراء الذي كلف الهيئة مباشرة التحضيرات لتجسيدها واقعياً".