أصبح الاهتمام بالجالية الجزائرية في الخارج من أولويات الرئيس عبد المجيد تبون، وفي خطوة متقدمة لتعزيز التواصل مع هذه الجالية وتحفيزها على المُساهمة في التنمية الوطنية، عين تبون كاتب دولة متخصصاً في شؤون الجالية للإهتمام بهذه الفئة التي تُشكلُ أحد أهم مصادر الدخل للبلاد في حال تم التعامل معها كثروة وطنية بشكل صحيح.
ولفت الانتباه في الحكومة الجديدة، استحداث منصبي كاتب دولة لدى وزير الشؤون الخارجية أحدهما مكلف متابعة الجالية الوطنية في الخارج، وتأتي هذه الخطوة استكمالاً للقرارات المتخذة لتحسين الخدمات القنصلية في البلدان المضيفة، إضافة إلى التسهيلات المقدمة إلى الجالية لتمكينها من الاستفادة من مختلف برامج الدعم العمومية.
وعمدت الحكومة الجزائرية إلى إنشاء شبكة فروع لبنوك عمومية في الخارج في محاولة لاستقطاب أموال الجالية التي تضم نخباً مهنية ورجال أعمال، كما اتخذت  تدابير لفائدتها، مثل تخفيض أسعار النقل الجوي والبحري للعائلات، وتسهيل إجراءات الدخول والخروج باستعمال حتى بطاقات التعريف الوطنية.
مداخيل معتبرة 
وإلى عام 2020 بقيت الجالية الجزائرية خارج اهتمام السُلطات، خلافاً لما فعلته حكومات المنطقة التي تستغل هذه الفئة لتحقيق عائدات للخزينة العمومية، والدليل على ذلك ضُعف مداخيل الجزائر مُقارنة بتونس والمغرب ومصر التي سجلت ارتفاعًا ملحوظًا في التحويلات المالية للمغتربين، إذ قفزت في الأخيرة إلى نحو 21 مليار دولار في الـ9 أشهر الأولى من العام الحالي، بينما لم تتخط عائدات الجزائريين المقيمين في الخارج سقف المليار دولار ،وهو رقم ضعيف جدا مقارنة بنظيرتها المصرية، رغم أن فارق التعداد بينهما لا يتخطى حاجز المليوني مُهاجر.
لكن، بحسب الخبراء الاقتصاديين، لن تكتمل جُهود الحكومة الجزائرية لاستقطاب هذه الثروة الثمينة إلا بانتهاء السوق السوداء لتبادل العملات في الجزائر، وهي سوق غير رسمية يتم فيها بيع العملات الأجنبية وشرائها بأسعار تختلف عن الأسعار الرسمية التي يُحددها البنك المركزي.
وبينما تغيب إحصائيات رسمية عن حجم الأموال المكتنزة والمتداولة في هذه الأسواق، إلا أن المؤكد أن الجالية الجزائرية المُهاجرة تمثل أحد أهم مصادرها الأساسية، بسبب الفارق الكبير المسجل بين السعرين الرسمي في البنوك والموازي في الأسواق، بينما تفقد الخزينة العمومية المليارات من العملة الصعبة.
ويشرح الخبير المالي والمصرفي الدكتور سليمان ناصر لـ "النهار العربي" أن "الاقتصاد الجزائري أضاع الكثير من فرص الاستفادة من الجالية المُهاجرة التي بإمكانها توسيع المصادر المُمولة للخزينة العمومية بالعُملة الصعبة، الأمر الذي أبقانا في مُؤخرة الدول في هذا النوع من التحويلات، رغم أننا نمتلك جالية كبيرة في مختلف دول العالم تُقدر بنحو 7 ملايين مُهاجر ".
تفاؤل مرتقب 
وكشف آخر تقارير البنك الدُولي حول الهجرة والتنمية أنه خلال عام 2022، بلغت تحويلات المهاجرين الجزائريين 1829مليون دولار مُقابل 1759مليون دولار عام 2021، وعليه فقد ارتفعت قيمة تحويلات الجزائريين بـ 70 مليون دولار، وبالنظر إلى أرقام التقرير التي أحصت التحويلات من سنة 2009 إلى 2022، فإن سنة 2014 شكلت الذروة حيث تم تحويل 2452 مليون دولار من أبناء الجالية.  

ويعتبر الخبير ناصر أن مجموع تحويلات المهاجرين الجزائريين متواضع جدا  قياساً إلى عدد المهاجرين، وبالتالي فإنّ تحرير سعر الصرف وتقريب الفارق بين السوق الموازية والمعاملات الرسمية واستحداث تحفيزات لفائدة هذه الفئة من شأنها أن ترفع هذا المبلغ إلى حدود 10 مليارات دولار على أقل تقدير، ولو بطريقة مرحلية وتدريجية.  
وبعثت القرارات بشأن الجالية المهاجرة على التفاؤل في صفوف الخبراء الاقتصاديين، وكان النائب عبد القادر دريش توقع  عبر "النهار" أن "تتجاوز  مساهمة الجالية الجزائرية في الخارج، وبخاصة المقيمة في فرنسا الـ2 مليار دولار سنويا، لا سيما بعد بعث مسار إنشاء فروع للبنوك العمومية الجزائرية في الخارج كاستحداث بنكين في فرنسا وبنكين في أفريقيا".