بين موسكو وغزال... رامي مخلوف يخلط الأوراق في الساحل السوري

المشرق-العربي 31-12-2025 | 16:06

بين موسكو وغزال... رامي مخلوف يخلط الأوراق في الساحل السوري

قدّم مخلوف نفسه بصفته ناصحاً لا قائداً سياسياً، مستخدماً لغة دينية واضحة تميل إلى الوعظ وإلى ادّعاء امتلاك معرفة خاصة بما سيأتي.
بين موسكو وغزال... رامي مخلوف يخلط الأوراق في الساحل السوري
رامي مخلوف. (فايسبوك)
Smaller Bigger

جاء الظهور الأخير لرامي مخلوف في تسجيل مصوَّر ليعيد طرح موقعه داخل الطائفة العلوية بعد سقوط النظام، في لحظة شديدة الالتباس تتقاطع فيها ضغوط داخلية متصاعدة مع تقارير إعلامية دولية تتهمه بالتحضير لتمرّد في الساحل السوري. في هذا السياق، بدا الخطاب محاولة مزدوجة: نفي عملي لتهمة التمرّد، وفي الوقت نفسه إعادة تثبيت موقعه بصفته فاعلاً مركزياً داخل الطائفة، في مواجهة صعود خطاب احتجاجي يقوده الشيخ غزال غزال.

 

بدأ مخلوف خطابه من زاوية الخطر الوجودي، مستخدماً لغة تحذيرية مشحونة، ومحذراً من أن هناك من "يريد جرّ الطائفة إلى المجهول" و"مكان اللاعودة"، قبل أن يحدد المقصود بشكل مباشر: الشيخ غزال ودعواته إلى التظاهر. لم يتعامل مخلوف مع هذه الدعوات بوصفها تعبيراً سياسياً مشروعاً، بل وصفها بأنها دعوة إلى "الهلاك" و"الإبادة"، معتبراً أن التظاهر بصدور عارية "ليس شجاعة"، بل مغامرة ستعرّض العلويين للخطر. بهذا التوصيف، لا يكتفي برفض الحراك، بل ينزع عنه أي شرعية سياسية أو أخلاقية، ويضعه في خانة الخطيئة لا الاختلاف.

 

عناصر من الأمن العام في الساحل السوري. (إكس)
عناصر من الأمن العام في الساحل السوري. (إكس)

 

في خطابه، قدّم مخلوف نفسه بصفته ناصحاً لا قائداً سياسياً، مستخدماً لغة دينية واضحة تميل إلى الوعظ وإلى ادّعاء امتلاك معرفة خاصة بما سيأتي. أكّد أنه لا يسعى إلى منصب أو مكسب، وأن هدفه "حقن الدماء" ومنع تحويل العلويين إلى وقود لمشاريع الآخرين. وبحسب تعبيره، فإن "الحلول قادمة"، لكن "ليس عن طريق التظاهرات أو السلاح"، داعياً إلى الصمت والتزام المنازل خلال الأشهر الأولى من السنة الجديدة، ومقدّماً الانتظار بوصفه خياراً وجودياً وموقفاً أخلاقياً، لا مجرد تكتيك سياسي موقت.

 

هذا الخطاب التهدوي لا يمكن فصله عن التقارير التي نشرتها صحف دولية كبرى، تحدثت عن إعادة بناء شبكات نفوذ في الساحل، واتصالات مع ضباط سابقين، وربما استعدادات عسكرية، وذُكر اسم مخلوف ضمن هذه السياقات. بدا مخلوف واعياً لهذه الصورة، فاختار مقاربة تقوم على الاعتراف بالقدرة ونفي النية. قال إنه كان بإمكانه "قيادة الكثير من معارك العلويين"، لكنه شدّد على أنها ستكون "معارك خاسرة". جملة تختصر استراتيجيته الخطابية: الإيحاء بامتلاك أوراق قوة، مع التأكيد أنه يرفض استخدامها، في محاولة لاحتواء الاتهامات من دون مواجهتها مباشرة.
ورغم نبرة التهدئة، حمل الخطاب تحذيراً مبطناً حيال غزال. إذ دعا الشيخ إلى أن يكون "مرجعية سلام"، لكنه لوّح بأن الاستمرار في هذا النهج "سيؤدي إلى تصرّف مختلف"، من دون توضيح طبيعة هذا التصرف. وذهب أبعد من ذلك باتهام "بيت جابر" بأنهم من وضعوا غزال في موقع رئاسة المجلس العلوي، وأنهم "يستخدمونه سياسياً وعسكرياً"، وهو اتهام غير مسبوق في علنيته، خصوصاً أنه يأتي بعد بوادر صراع ظهرت إلى العلن بين محمد جابر والشيخ غزال قبل نحو أسبوعين.

 

 

وعند حديثه عن الفيدرالية، قال مخلوف إن الحصول عليها "من دون وجود قوة تحمي العلويين في إقليم الساحل لا قيمة له"، مقارناً ذلك بما هو قائم في الشمال حيث، بحسبه، توجد منظومة عسكرية وإدارية جاهزة. وتحدث عن "محاولة للزجّ بالعلويين كوقود لمشروع قسد"، واضعاً دعوات التظاهر ضمن مسار أوسع من التوريط الإقليمي، ومحذّراً من "معركة الشمال" بوصفها أحد السيناريوهات التي يجب تجنّبها.

 

 

النقطة الأكثر وضوحاً وحسماً في الخطاب كانت إعلان مخلوف أن "مستقبل العلويين مع روسيا فقط"، مؤكداً أن "الأوراق لن تُنقل إلى أي طرف آخر". غير أن هذا الطرح لا يأتي من فراغ، إذ سبق أن ظهر محمد جابر بدوره في تسجيل مصوَّر من داخل مؤسسة حكومية روسية، مقدّماً نفسه على أنه على تنسيق مباشر مع القيادة الروسية، في مشهد أوحى تنافساً صامتاً على تقديم "أوراق الاعتماد" الى موسكو. ويعكس هذا التوازي، على الأرجح، خلافاً داخل دائرة رجال الأعمال النافذين في الطائفة حيال من يملك قناة التواصل الأجدى مع روسيا، في وقت لا تبدو فيه موسكو حتى الآن متحمسة للخوض في هذه الصراعات، وسط تركيزها على تحسين علاقاتها مع دمشق.

 

في موازاة ذلك، حاول مخلوف إعادة صوغ رواية مجازر الساحل في آذار/مارس الماضي، معتبراً أنها لم تكن "ردّة فعل كما يزعم البعض"، ومشيراً إلى أن من "غدر به" انهار مع النظام. بهذه الصياغة، يفصل نفسه عن بشار الأسد المهزوم، ويقدّم ذاته كشخص بقي في سوريا "ليعمل شيئاً بعد السقوط"، واضعاً نفسه في موقع وسط: ليس جزءاً من النظام الذي انهار، ولا من القوى الجديدة التي تتشكّل، بل طرف ثالث يدّعي امتلاك رؤية مختلفة للمستقبل.

 

وفي ختام خطابه، قدّم مخلوف سلسلة تحذيرات عن "أحداث خطيرة" متوقعة، من اقتتال داخلي في لبنان إلى صدامات في مناطق "قسد"، داعياً العلويين إلى التزام منازلهم وحقن الدماء. وفي هذا السياق، أشار إلى وجود غزال في "الشمال" ضمن نبرة تحذيرية، رغم أن مكان وجود الشيخ غير معروف منذ أشهر، ما فتح الباب أمام قراءات تتجاوز الشخص إلى الصراع على من يملك حق التمثيل والتوجيه داخل الطائفة.

 

تمنح هذه التحذيرات مخلوف موقع "صاحب المعرفة" أو "من يعرف ما لا يُقال"، وتسمح له بالظهور مرجعية دينية–أمنية وسياسية في آن واحد، رغم غياب تفاصيل ملموسة أو معطيات قابلة للتحقق.

 

بهذا الخطاب، لا يبدو الصراع محصوراً داخل البيت العلوي، بل يظهر إشارة مبكرة على تنازع أوسع لم تتضح خرائطه بعد: من يعرّف الخطر، ومن يملك حق تقديم نفسه قناة "حماية" في الساحل. ومع رفع مخلوف سقف "روسيا فقط" وتحذيره من "معركة الشمال"، يلمّح - من دون تصريح مباشر - إلى أن الملف يتجاوز حدود التمثيل المحلي نحو احتمالات اشتباك إقليمي ودولي لا تزال مفتوحة على أكثر من اتجاه.

 


 

 

العلامات الدالة

الأكثر قراءة

المشرق-العربي 12/30/2025 9:09:00 AM
العميد أحمد الدالاتي قائد أمن ريف دمشق تابع بشكل مباشر قضية حمزة
المشرق-العربي 12/30/2025 5:55:00 PM
إطلاق نار كثيف قرب قصر الشعب والمزّة 86 في دمشق، مع أنباء غير مؤكدة عن عملية اغتيال.
المشرق-العربي 12/30/2025 8:12:00 PM
شقيق أبو عبيدة يكشف تفاصيل عن اشتباك خاضه الناطق السابق باسم القسام في شمال غزة
اقتصاد وأعمال 12/29/2025 5:34:00 AM
"بات من مصلحة المكلفين التصريح عن مداخيلهم وتسديد الضرائب ضمن المهل القانونية، تفاديا لرفع السرية المصرفية عن حساباتهم"