إقليم كردستان... توجهات شراكة استراتيجية مع العالم العربي
بينما قام ساسة ومسؤولون رفيعون من إقليم كردستان بعدة زيارات رسمية متتالية إلى الدول العربية، اعتبرها المراقبون بمثابة توجه استراتيجي جديد للإقليم، يؤكد مصدر سياسي كردي رفيع لـ"النهار" أن الإقليم يرى في الدول العربية محفلاً للخروج من كل أشكال الاستقطاب الإقليمي، وفضاءً للتعاون الاقتصادي والثقافي والسياسي الإيجابي والمثمر.
وأجرى رئيس وزراء إقليم كردستان مسرور بارزاني خلال الأيام الماضية زيارة رسمية مطوّلة إلى مصر، التقى خلالها الرئيس عبد الفتاح السيسي وكبار المسؤولين. ركزت الزيارة على ثلاث ملفات رئيسية حسبما تقول المصادر. فقد كان الوضع السياسي في العراق وعموم المنطقة حاضراً أثناء اللقاءات، خصوصاً في ما يتعلق بتوجهات السياسة الخارجية للعراق أثناء تشكيل الحكومة الاتحادية الجديدة. كما ركز الجانبان على العلاقات الاقتصادية التي تجمعهما، إذ دعا السيسي حكومة كردستان للاستفادة من خبرة الشركات المصرية، واتفق على رفع مستوى التبادل التجاري وتسهيل افتتاح الشركات.
كذلك، زار بارزاني عدداً من المعالم الثقافية والتاريخية ذات الطابع الكردي في مدينة القاهرة، بما في ذلك القلعة التي بناها القائد الإسلامي/الكردي صلاح الدين الأيوبي، لتأكيد العمق التاريخي لعلاقة الطرفين.
قبل الزيارة بأيام قليلة، قام رئيس وزراء إقليم كردستان بزيارة رسمية لدولة الإمارات العربية المتحدة، عقد خلالها اجتماعات موسعة مع المسؤولين السياسيين والحكوميين، وفي مقدمتهم رئيس الدولة الشيخ محمد بن زايد آل نهيان.
ويبلغ حجم النشاط التجاري بين إقليم كردستان والإمارات أكثر من ملياري دولار، وتتداوله أكثر من 200 شراكة ناشطة في مختلف المجالات، خصوصاً في القطاعات الزراعية والصناعية والسياحية. كما تجمع الطرفين رؤية سياسية شبه متطابقة، ينبذان فيها كل أشكال التطرف ويسعيان لتحديث البنى الاجتماعية والاقتصادية في بلدانهم، وتصف كردستان دولة الإمارات كنموذج رائد في مجال الأنظمة الفيدرالية الناجحة.

طوال العام الجاري، قام مسؤولون وساسة من إقليم كردستان بزيارات دورية إلى مختلف الدول العربية، مثل مصر والسعودية والإمارات وقطر والأردن. كما التقى رئيس الإقليم نيجرفان بارزاني بالرئيس السوري أحمد الشرع، وكان أول سياسي عراقي يقابل الشرع، كما اجتمع مع الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط.
ويوضح مصدر سياسي كردي رفيع، في حديثه مع "النهار"، أبعاد الاستراتيجية السياسية للإقليم تجاه الدول العربية، ويقول: "في كردستان نستشعر بخطورة الاستقطاب الإقليمي الشديد، الذي تتجاذبه دول مثل إيران وإسرائيل وتركيا وسوريا، تحيط بالعراق وإقليم كردستان، ولن تتوانى عن التسرب إلى داخل العراق، الذي يملك حساسيات وتوازنات قابلة للانفجار. استباقاً لذلك، تعتقد كردستان أن الدول العربية أكثر قابلية وجدارة بانتشال العراق من أي انجراف نحو الصراعات الإقليمية، وخلق آفاق من التعاون والتنمية المستدامة".
ويضيف: "تقليدياً كانت هذه رؤية الإقليم منذ تشكله في العام 2005، وهو بتوجهاته هذه كان يرد على أشكال التشكيك والغمز التي تستهدفه. فالمسؤولون الأكراد على مستوى العراق، خصوصاً في منصبي رئيس الجمهورية ووزير الخارجية، اللذين شغرهما شخصيات كردية منذ العام 2005، أثبتوا الارتباط الوثيق للإقليم مع المحيط العربي، وقدرة الإقليم على حفظ المصالح الاقتصادية والعلاقات السياسية والثقافية التاريخية بين العرب والكرد، مع قدر كبير من الحفاظ على الخصوصيات القومية".
نبض