بعد أسابيع قليلة من الانهيار السريع للنظام السوري، بدأت تتكشّف ملامح الحياة الجديدة التي يعيشها الرئيس السوري السابق بشار الأسد وعائلته في موسكو، بعيداً عن بلاده التي تركها غارقة في أزمات اقتصادية وإنسانية خانقة.

يرسم  تحقيق لصحيفة نيويورك تايمز صورة مفصّلة لمنفى يتسم بالترف، تحيط به الحماية الأمنية الروسية، ويغلب عليه الصمت الإعلامي.

البداية كانت في أحد أعلى مطاعم موسكو، حيث فوجئ مغترب سوري كان يتناول العشاء في مطعم فاخر يقع في الطابق الثاني والستين من ناطحة سحاب، بوجود الأسد نفسه على إحدى الطاولات. المطعم، المعروف باستقبال شخصيات سياسية روسية ونخب أجنبية، يفرض قيودا صارمة على التصوير، وهو ما لم يثر دهشة الزبون بقدر ما فعل اكتشاف هوية الضيف غير المتوقع.

وبحسب شهادات أقارب وأصدقاء للعائلة، إضافة إلى مسؤولين عسكريين سوريين سابقين، فإن منفى آل الأسد بدأ فور وصولهم إلى موسكو بطائرات خاصة ومواكب سيارات، قبل أن يستقروا مؤقتًا في أجنحة فاخرة تابعة لفندق فور سيزونز، حيث قد تصل كلفة الإقامة الأسبوعية إلى عشرات آلاف الدولارات. لاحقًا، انتقل الأسد وعائلته إلى شقة بنتهاوس من طابقين في برج الاتحاد، أحد أبرز أبراج العاصمة الروسية، ثم إلى فيلا في ضاحية روبليوفكا الراقية غرب موسكو، وهي منطقة مفضّلة للنخبة الروسية.

التحقيق يشير إلى أن الأجهزة الأمنية الروسية لا تزال تتولى حراسة الأسد ومراقبة تحركاته، مع فرض تعليمات صارمة على العائلة بعدم الإدلاء بأي تصريحات علنية. ورغم ذلك، ظهرت تسريبات متفرقة عبر وسائل التواصل الاجتماعي، دفعت السلطات الروسية إلى التدخل سريعًا، ولا سيما بعد نشر حافظ الأسد، نجل الرئيس السوري السابق، مقاطع مصورة من موسكو قبل أن يختفي تمامًا عن المنصات الرقمية.

أما شقيقه ماهر الأسد، فقد رُصد أكثر من مرة في مناطق تجارية راقية داخل موسكو، وظهر في أحد المقاطع المصورة جالسًا في مقهى للشيشة داخل مجمع تجاري فاخر. ويأتي ذلك في وقت لا تزال تُلاحقه اتهامات دولية بارتكاب انتهاكات جسيمة خلال سنوات الحرب، بما في ذلك قمع الاحتجاجات وإدارة شبكات تهريب.

وفي موازاة حياة الإخوة، تكشف التحقيقات عن مظاهر بذخ لافتة في نشاط بنات العائلة. فقد أُقيمت حفلات أعياد ميلاد فاخرة في موسكو ودبي، شملت مطاعم عالمية ويخوت خاصة وتجهيزات باهظة، وسط انتشار صور ومواد رقمية تم تتبعها والتحقق منها عبر حسابات مقربة من الدائرة العائلية.

في المقابل، يبرز وجه آخر للمنفى، أقل بريقًا، يتمثل في مصير بعض المساعدين السابقين للأسد. إذ تشير شهادات إلى أن مساعده الشخصي تُرك في موسكو من دون دعم مالي أو قانوني، قبل أن يعود لاحقًا إلى سوريا ويعيش اليوم في ظروف معيشية صعبة، بعيدًا عن الأضواء.

المقهى حيث تم رصد بشار الأسد (نيويورك تايمز)

وتخلص الصحيفة إلى أن سقوط النظام لم ينهِ نفوذ العائلة أو ثروتها، بل نقلها إلى فضاء جديد من الحماية والترف، حيث يعيش آل الأسد حياة شبه مغلقة في روسيا، في مفارقة صارخة مع الواقع الذي تركوه خلفهم في سوريا.