حلب بين الرصاص والسياسة... اتفاق دمشق – "قسد" يواجه الاختبار الأخير
ساعاتٌ عصيبة عاشتها مدينة حلب السورية، أمس الاثنين، بعدما انزلق التوتر بين الحكومة السورية و"قوات سوريا الديموقراطية" (قسد) من الإطار السياسي إلى فخّ المواجهة العسكرية المباشرة، في مؤشر خطير يشي باحتمال اتّجاه الأوضاع بين الجانبين نحو مزيد من التصعيد، مع اقتراب انتهاء المهلة المحددة لتنفيذ اتفاق 10 آذار/مارس.
وتزامن التصعيد الميداني مع اجتماع عُقد في قصر الشعب، ضمّ الرئيس السوري أحمد الشرع ووزير الخارجية أسعد الشيباني، إلى جانب وزيري الخارجية والدفاع التركيين، هاكان فيدان ويشار غولر، إضافة إلى رئيس جهاز الاستخبارات التركي إبراهيم قالن.
رواية دمشق
وتبادلت دمشق و"قسد" الاتهامات بالمسؤولية عن القصف والاشتباكات التي اندلعت في محيط حيّي الشيخ مقصود والأشرفية. واتهمت وزارة الداخلية السورية قوات "قسد" بـ"الغدر بقوات الأمن الداخلي على الحواجز المشتركة، عقب انسحابها المفاجئ منها وإطلاق النار عليها، رغم الاتفاقات المبرمة بين الطرفين"، مؤكدة "إصابة عنصر من قوات الأمن الداخلي وآخر من الجيش، إضافة إلى وقوع إصابات عدة بين عناصر الدفاع المدني والمدنيين".
كذلك، نفت إدارة الإعلام والاتصال في وزارة الدفاع "ما تروّج له قسد عن هجوم لقوات الجيش على مواقعها" في الحيّين، مشيرة إلى أن "قسد هاجمت بشكل مفاجئ نقاط انتشار قوى الأمن الداخلي والجيش العربي السوري في محيط حي الأشرفية، ما أدى إلى وقوع إصابات في صفوف قوات الأمن والجيش". وأضافت أن "الجيش العربي السوري يردّ على مصادر نيران قسد التي تستهدف منازل الأهالي وتحركاتهم، إضافة إلى نقاط انتشار الجيش والأمن" في محيط الشيخ مقصود والأشرفية.
في السياق، يقول مدير الإعلام في حلب عبد الكريم ليله لـ"النهار" إن "هذه ليست المرة الأولى التي تقوم بها قسد باستهداف حواجز الأمن الداخلي، وبخرق الاتفاق بين الجانبين، وهذه الخروقات تأتي بعد سياسة مماطلة تنتهجها قسد في عدم تنفيذ كامل بنود الاتفاق الذي وقعت عليه مع الحكومة السورية منذ آذار 2025"، مشيراً إلى أن "هذه المماطلة تعود لأسباب ترتبط ربما ببعض الجهات أو القوى الانفصالية داخل قسد التي لا تزال حتى اليوم تعيش حالة ميليشيوية وترفض تنفيذ هذا الاتفاق الذي يطالب به السوريون لانهاء كافة المظاهر العسكرية والميليشيوية في مدينة حلب، واندماج جميع القوات سواء الأمنية أو العسكرية ضمن ملاك ومرتبات وزارة الداخلية ووزارة الدفاع".
رواية "قسد"
في المقابل، أعلن المركز الإعلامي لـ"قسد" إصابة "عنصرين من قواتنا جراء هجوم نفذته فصائل تابعة لوزارة الدفاع على أحد الحواجز في مدينة حلب"، محمّلاً القوات الحكومية "المسؤولية الكاملة عن هذه الاعتداءات". واعتبر أن الهجوم يأتي في إطار "استمرار نهج التصعيد المنفلت الذي تنتهجه الفصائل التابعة للحكومة"، مشيراً إلى أن "الأهالي وقوى الأمن الداخلي يواجهون هذه الاعتداءات ويتخذون كل الإجراءات اللازمة لحماية أنفسهم".
بدوره، يؤكد ممثل العلاقات في حيّي الشيخ مقصود والأشرفية نادر خليل رشيد، في حديث إلى "النهار"، أن "الفصائل التابعة للحكومة الموقتة في سوريا هي التي بدأت بالتصعيد وافتعال الاشتباكات عبر استهداف حاجز الشيحان".
ويضيف رشيد: "يشهد حيّا الشيخ مقصود والأشرفية هجمات وعمليات قصف عنيفة من قبل مسلحي الحكومة الموقتة منذ أمس، ما أدى إلى مقتل أربعة أشخاص وإصابة 23 آخرين، بينهم طفلان".
ويتابع: "قوى الأمن الداخلي (الأسايش) ردّت على مصادر النيران ضمن إطار حق الدفاع المشروع، بهدف حماية المدنيين في الشيخ مقصود والأشرفية من الاعتداءات المباشرة".
ويشير رشيد إلى أن "مسلحي الحكومة الموقتة يقصفون الأحياء السكنية بصورة بشعة منذ أربعة أشهر، مستخدمين مختلف أنواع الأسلحة والقذائف، بما فيها المدافع والدبابات"، لافتاً إلى أن "القصف تسبب بأضرار جسيمة في الأبنية السكنية والبنى التحتية وشبكات الكهرباء، حيث تضررت معظم خطوط الشبكة".
ويضيف: "لسنا دعاة حرب، والتصعيد الحاصل لا يصب في مصلحة أي طرف. نأمل من حكومة دمشق ومحافظ حلب وضع حد للفصائل الخارجة عن القانون التي تعمل على زعزعة الاستقرار في الحي".
ويؤكد رشيد أن إدارة المجلس العام "تكثّف جهودها الميدانية والسياسية لوقف الاشتباكات ومنع اتساعها، وترسيخ التهدئة بما يحفظ أمن المدنيين واستقرار أحياء حلب".

رسائل وضغوط
في السياق، تضع مصادر مطلعة ما جرى في إطار "الرسائل والضغوط التي تمارسها أنقرة ودمشق على قسد لتنفيذ اتفاق 10 آذار"، الذي وقّعه الرئيس الشرع وقائد "قوات سوريا الديموقراطية" مظلوم عبدي. وتعرب لـ"النهار" عن خشيتها من أن يتطور الوضع إلى "مواجهة عسكرية أوسع، يدفع ثمنها الأبرياء من الجانبين، في حال انقضاء المهلة دون تنفيذ الاتفاق".
وعزّز هذا الانطباع ما صدر عن وزير الخارجية التركي هاكان فيدان عقب لقائه الشرع، إذ قال في مؤتمر صحافي إن المباحثات "تناولت ملف قسد"، معتبراً أن اندماجها في مؤسسات الدولة "سيكون في مصلحة الجميع"، لكنه اتهم "قسد" بأنها "لا نية لديها لتنفيذ اتفاق 10 آذار".
من جهته، كشف وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني أن الاجتماع شهد "وضع تصور مشترك" بشأن شمال شرقي سوريا، معتبراً أن "الحكومة لم تلمس إرادة جدية من قسد لتنفيذ اتفاق 10 آذار". وأوضح أن "الحكومة بادرت أخيراً إلى تقديم مقترح لتحريك الاتفاق إيجاباً، وتلقت رداً عليه، وهي بصدد دراسته".
ويأتي ذلك بعد معلومات عن قيام مسؤولين أميركيين بنقل رسائل بين "قسد" والحكومة السورية، الأسبوع الماضي، تضمنت مقترحاً جديداً وصفته مصادر سورية رسمية تحدثت إلى "النهار" بأنه "أفضل ما يمكن أن تقدمه دمشق إلى قسد"، كونه "يوفر حلاً وسطاً لمسألة انضمام قوات سوريا الديموقراطية إلى الجيش السوري".
ففي حين كانت "قسد" تشدد على الانضمام "ككتلة واحدة"، مقابل إصرار دمشق على "الاندماج الكامل ضمن المؤسسة العسكرية"، نصّ الطرح الجديد على تقسيم هذه الكتلة إلى "فرق متعددة" وضمّها إلى الجيش السوري.
وبينما تحدثت المصادر الرسمية عن "بوادر إيجابية" حيال هذا المقترح، قالت مصادر في "قسد" إن جوهر الخلاف "يتجاوز هذه المسألة"، مفضّلة عدم الخوض في التفاصيل، في ظل استمرار المفاوضات بين الجانبين حيال النقاط الخلافية.
وعليه، قد يكون الرصاص قد توقّف في حلب، لكن التوتّر لا يزال مخيّماً على المشهد، في ظل غياب حلول جذرية تعالج أسباب الانفجار الأخير وتمنع تكراره. ومع اقتراب نهاية العام، يبقى السؤال الأهم مطروحاً: إذا لم يدخل اتفاق 10 آذار حيّز التنفيذ فعلياً، فهل تستقبل سوريا عام 2026 على وقع مواجهة أوسع بين دمشق و"قسد"، أم تنجح الضغوط السياسية في تفادي سيناريو التصعيد المفتوح؟
نبض