مصادر ديبلوماسية مراقبة لمفاوضات "الميكانيزم": كيف تتقدّم في ظلّ الهيمنة الإسرائيلية؟
تطرح مصادر ديبلوماسية تراقب مسار المفاوضات التي بدأها رئيس الوفد اللبناني إلى اجتماعات "الميكانيزم" مع الجانب الإسرائيلي السفير سيمون كرم أسئلة حول كيفية التقدم بأفضل طريقة في مفاوضات سياسية في ظل هيمنة الجهة الإسرائيلية الساحقة، وكيف يمكن، رغم ذلك، أن يمضي الجانب اللبناني قدماً ويواصل العمل والتفكير ولو بالحد الأدنى الممكن وبأفضل المستطاع.
وتشير هذه المصادر إلى أن المهل الزمنية لنزع سلاح "حزب الله" تختلف باختلاف كيفية سير المفاوضات السياسية ومسارها، فكلما تباطأت المفاوضات السياسية أو تعطلت يزداد الضغط على لبنان، ما يعني أن المفاوضات السياسية بإمكانها أن تمنح هامشاً أوسع لعملية نزع سلاح "حزب الله".
في المرحلة الحالية ما زالت المفاوضات بين الجانبين في أول الطريق، ولا يمكن تقييم المسار بعد، لكن الدول الصديقة للبنان تسعى إلى مساعدته على إيجاد سبل لوضع المفاوضات على الخط الصحيح، وهي تدرك أن السفير سيمون كرم يميل إلى هذا التوجه، لكن المسألة الأساسية ستكون القدرة على الصمود والاستمرار على المدى الطويل، لأن مشكلته تحديداً هي أن التفاوض لمجرد التفاوض لا يمكن أن يستمرّ لفترة طويلة.
وترى المصادر أن إسرائيل ستنظر إلى أين تتجه المفاوضات السياسية، كما تنتظر لقاء رئيس حكومتها بنيامين نتنياهو والرئيس الأميركي دونالد ترامب، وإن لم ترض عن المسار فستصعّد، وفي مثل هذه الحال تتوقف المفاوضات السياسية، وهذا ليس من مصلحتها.
أما عن انتقال الجيش اللبناني إلى المرحلة الثانية من نزع سلاح "حزب الله"، فهذا لا بدّ منه، خصوصاً أن رئيس الحكومة نواف سلام مقتنع بذلك وعازم على الانتقال إلى المرحلة الثانية، وهو يقول إن نزع سلاح "حزب الله" ليس شأناً إسرائيلياً، بل هو لمصلحة لبنان ولا يمكن لأيّ جهة أخرى من القيادات اللبنانية أن تقول إنه ينبغي المزيد من الانتظار.
وترى المصادر أنه قبل مؤتمر دعم الجيش اللبناني المزمع عقده في شباط/ فبراير المقبل يجب على لبنان أن يعلن أنه انتقل إلى المرحلة الثانية من نزع السلاح. وتعتقد أن هناك فرصة كبرى لأن يكون مكان انعقاد المؤتمر في باريس، لكن العاصمة الفرنسية ما زالت تأمل عقده في الرياض. وتؤكد المصادر أنه خلال اجتماع باريس الأخير بين المبعوث الفرنسي جان إيف لودريان والمبعوثة الأميركية مورغان أورتاغوس والسفير الأميركي في لبنان ميشال عيسى والمبعوث السعودي الأمير يزيد بن فرحان، كان تقييمهم إيجابياً عموماً، مع إلحاح الأميركيين على ضرورة تقدم الجيش في مسار نزع السلاح.
وتعتبر المصادر أن حضور قائد الجيش اللبناني رودولف هيكل الاجتماع كان مفيداً جداً وأتاح له أن يعمل على تحسين علاقته بالأميركيين.
أما بالنسبة إلى مشروع قانون الفجوة المالية، فترى المصادر أن المهم أن الموضوع أدرج أصلاً على طاولة النقاش، ويجب الانتباه إلى أنه كلما مر الوقت طال التأخير وقلت القدرة على تسديد أموال المودعين. وتتساءل المصادر هل اللوبي المصرفي يسعى إلى تفريغ الخزائن بالكامل ليصل في النهاية إلى وضع لا يعود فيه شيء يمكن سداده أصلاً، إذ إنه قبل خمس سنوات كان بالإمكان سداد نحو ٥٠٠ ألف دولار عن كل حساب والآن أصبح التسديد لودائع المئة ألف دولار. ويجب إدراك أنه كلما مر الوقت وصل الوضع إلى تعذر أي تسديد على الإطلاق.
وتضيف المصادر أن خسارة البنك المركزي اللبناني يمكن تقديرها بـ٦٠ مليار دولار أو ٤٥ ملياراً، وهذا يتوقف على عدد من النقاط، منها، مثلاً، احتساب قيمة احتياطي الذهب بحسب السوق أو بحسب معدل قيمة الذهب على الأشهر الثلاثة الأخيرة أو الستة الأخيرة. فإذا حسبنا على أساس الأشهر الثلاثة الأخيرة فستكون الخسارة ٣٨ مليار دولار لأن احتياطي الذهب يشكل أحد عناصر موازنة مصرف لبنان. وتبرز أيضاً نقطة أساسية أخرى تتعلق بالهدف المحدد لمستوى رأس مال المصرف، فهل يُفترض اعتماد رأس مال صفري أم تحديد مستوى إيجابي، على سبيل المثال ملياري دولار، وانطلاقاً من ذلك تبرز مجموعة واسعة من المسائل التقنية وهي ليست هامشية، بل حاسمة في تحديد الخسائر النهائية التي سيتكبّدها مصرف لبنان. وتعرف هيئة الرقابة على المصارف تماماً وضع كل مصرف، ومعروف اليوم عدد المصارف التي ما زالت تتمتع بمستوى إيجابي من الأموال الخاصة مقابل تلك التي باتت أرقام أموالها الخاصة سلبية. واليوم داخل جمعية المصارف ثلاث فئات: التي تعرف أنها ستصمد وستبقى وهي ضد القانون لكنها تعد للمستقبل، والفئة التي تدرك أنها لن تتمكن من الاستمرار وقد استسلمت لهذا الواقع حتى إن كانت ترفع الصوت وتعترض علناً، وهناك فئة أخرى تدرك أنها غير قادرة على الاستمرار بمفردها، لكنها تراهن على احتمال أن يستحوذ عليها مصرف قادر على البقاء.
ومن هنا، بغض النظر عن البيانات الصادرة عن جمعية مصارف لبنان، لا ينبغي الاعتقاد أن كل المصارف تعتمد النهج نفسه. وترى المصادر أنه في نهاية المطاف، سيعوّض البنك المركزي وفئة من المصارف جزءاً من الخسائر، والدولة ستجبر على تعويض الباقي من تسييل جزء من احتياطها من الذهب. وتعتقد المصادر أن الوضع يمكن أن يتطوّر إلى الأفضل خلال السنوات الأربع المقبلة.
نبض