منفى من الرفاهية في موسكو للأسد وعائلته... حين يسقط الحكم وتغيب العدالة
بعد سقوطه، لم يذهب الرئيس السوري بشار الأسد وعائلته إلى منفى المساءلة، بل إلى رفاهية محروسة في موسكو. إذ يكشف تقرير لصحيفة "نيويورك تايمز" كيف استبدلت عائلة الأسد التي ارتبط اسمها بالقمع والقتل حياة السلطة بحياة فاخرة، بعيدة عن العدالة.
انتهى حكم الأسد الطويل والدموي بسرعة، لكن سقوطه لم يُترجم إلى محاسبة أو منفى قاسٍ، بل إلى انتقال هادئ ومرفّه إلى روسيا. فبعد أسابيع قليلة من هجوم المقاتلين الخاطف الذي أطاح بسيطرته على سوريا، شوهد الرئيس المخلوع في موسكو، حيث يعيش مع عائلته وأقرب مساعديه حياة بعيدة عن الأضواء، لكنها مليئة بالفخامة وتحت حماية أمنية روسية مشددة.
وروى أحد السوريين المغتربين في موسكو لـ"نيويورك تايمز" أنه فوجئ برؤية الأسد يتناول العشاء في مطعم "سيكستي" الفاخر، الواقع في الطابق 62 من أطول ناطحة سحاب في المدينة، والذي يرتاده عادة أفراد من النخبة الروسية ومشاهير أجانب. هذا المشهد شكّل صدمة رمزية: ديكتاتور ارتبط اسمه لعقود بالقمع والقتل، يجلس بهدوء في قلب موسكو.
واستند التحقيق إلى شهادات شهود عيان وأصدقاء للعائلة ومسؤولين سابقين، جميعهم طلبوا عدم الكشف عن هوياتهم خوفاً على سلامتهم. وبحسب هذه المصادر، بدأت رحلة المنفى منذ اللحظات الأولى للفرار، عبر طائرات خاصة وقوافل سيارات، وصولاً إلى موسكو.
في البداية، أقامت العائلة في شقق فاخرة تديرها سلسلة "فور سيزنز"، بتكلفة قد تصل إلى 13 ألف دولار أسبوعياً، قبل الانتقال إلى شقة بنتهاوس من طابقين في برج "فيديرايشن". لاحقاً، نُقل بشار الأسد إلى فيلا في ضاحية روبليوفكا الراقية غرب موسكو، وهي منطقة مفضلة للنخبة الروسية. وتواصل أجهزة الأمن الروسية حراسة الأسد ومراقبة تحركاته، مع فرض صمت إعلامي صارم على العائلة.
كما تحركت السلطات الروسية بسرعة عندما نشر حافظ الأسد، نجل الرئيس المخلوع، مقاطع على وسائل التواصل الاجتماعي عن وجودهم في موسكو، ما أدى إلى اختفائه الرقمي الكامل لاحقاً.
أما ماهر الأسد، شقيق بشار وقائد الفرقة الرابعة سابقاً، فقد شوهد في مناطق راقية من موسكو، رغم اتهامه خلال سنوات الحرب بارتكاب انتهاكات جسيمة وإدارة شبكات تهريب مربحة. أثناء وجوده في السلطة، اتُهم ماهر والقوات التي قادها بإطلاق النار على متظاهرين عزل، وفرض حصار "استسلموا أو جوعوا"، وإدارة عملية تهريب مخدرات إقليمية يُقدر أنها جنت لهم مليارات الدولارات.
ويقول مدير المرصد السوري لحقوق الإنسان رامي عبد الرحمن لـ"النهار": "دورنا خلال هذا العمل الطويل عبر المرصد لنحو عشرين عاماً كان توثيق انتهاكات حقوق الإنسان في سوريا خلال عهد بشار الأسد، بما في ذلك المجازر التي ارتُكبت خلال الثورة السورية، وتوثيق قضية المجازر التي وقعت في سوريا بعد سقوط النظام".
ويؤكد عبد الرحمن أن "وجود بشار الأسد وشقيقه، وجميع المتورطين في قتل أبناء الشعب السوري، أحراراً اليوم في روسيا، يثبت أن الحديث عن العدالة حتى اللحظة ليس سوى ذرٍّ للرماد في العيون، بهدف إرضاء بعض الغرائز وإيهام الرأي العام بأن هناك مساراً جدياً للمحاسبة".
ويقول: "عندما نرى بشار الأسد يعيش حياة من الرفاهية في روسيا، فهذا يبعث برسالة خطيرة مفادها أن أي ديكتاتور يمكنه ارتكاب المجازر بحق شعبه، ثم تأمين ملاذ آمن له من دون محاكمة"، معتبراً أن ذلك "يفتح الباب أمام إعادة إنتاج ديكتاتور جديد، سواء في سوريا أو في أي بقعة أخرى من العالم".
ويتابع: "طالبنا منذ البداية بمحاكمة جميع قتلة الشعب السوري أمام محاكم علنية، إنصافاً للضحايا، ولتوجيه رسالة واضحة إلى المجتمع الدولي بأن جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية والانتهاكات بحق الشعوب يجب ألا تمرّ من دون عقاب".
في المنفى، اختلفت معاملة الشقيقين لمقربيهما. فبينما وُصف ماهر بأنه أكثر سخاءً مع ضباطه السابقين، ترك بشار أحد مساعديه الشخصيين عالقاً في موسكو دون دعم مالي، ما اضطره في النهاية للعودة إلى سوريا والعيش بهدوء في قرية جبلية. ويختصر تعليق أحد المساعدين السابقين المشهد قائلاً: "يعيش بشار حياته وكأن شيئاً لم يحدث… لقد خذلنا".
يبقى انتقال بشار الأسد وعائلته إلى موسكو وعيشهم حياة مرفهة بعيدة من الأضواء مثالاً على مسار المنفى بعد سقوط نظامه، ويطرح تساؤلات حيال المساءلة والعدالة الدولية تجاه المسؤولين عن انتهاكات حقوق الإنسان في سوريا.
نبض