جماعات مسلّحة تتنافس على ملء فراغ "حماس" في غزة... هل ينزلق القطاع إلى صراع داخلي؟
في أعقاب الحرب في قطاع وتراجع قبضة "حماس"، تشهد غزة واقعاً جديداً حيث تتنافس ميليشيات مسلحة صغيرة، بعضها مدعوم من إسرائيل، على ملء الفراغ القائم، خصوصاً في الأجزاء التي يسيطر عليها الجيش الإسرائيلي.
في أوائل تشرين الثاني/نوفمبر، اغتيل الشيخ محمد أبو مصطفى بإطلاق نار مصدره مسلح على دراجة نارية، عقب خروجه من مسجد في جنوب غزة. وتبادلت الجماعات الفلسطينية الاتهامات حول الجهة المنفذة، مشيرة إلى ميليشيا محلية مدعومة من إسرائيل يقودها حسام الأسطل الذي نفى مسؤوليته ورحب بمقتل أي عضو في "حماس"، بينما تواصل جماعته شن هجمات ضد الحركة الفلسطينية من مناطق خاضعة للسيطرة الإسرائيلية.
سيطرت جماعة الأسطل الغامضة التي تطلق على نفسها اسم "قوة مكافحة الإرهاب"، على قرية في الجزء الذي تسيطر عليه إسرائيل من خان يونس في جنوب غزة. ومن هناك، تشن غارات ضد "حماس" بينما تحاول زيادة عدد أتباعها المحليين.
ومع بدء تهدئة الأوضاع بعد حرب وحشية استمرت عامين، انقسمت غزة إلى قسمين. تعيد "حماس" توطيد سيطرتها على النصف الغربي من القطاع الذي انسحبت منه إسرائيل، وتظل القوة المهيمنة في المنطقة التي تعيش فيها الغالبية العظمى من سكان غزة. لكن شرق ما يسمى الخط الأصفر – وهو حدود عسكرية إسرائيلية – لا يزال يعيش عدد قليل نسبياً من المدنيين. وهناك، في الأراضي التي تسيطر عليها إسرائيل، تحاول الجماعات المسلحة الصغيرة فرض سيطرتها وتوسيع نفوذها.
تحت مراقبة إسرائيلية لصيقة، تعمل الآن خمسة فصائل على الأقل داخل الخط الأصفر. ما بدأ كعصابات متفرقة وانتهازية تستغل فوضى الصراع، تحول إلى شبكة منسقة من الميليشيات المسلحة التي تضع نفسها علناً في موقع يؤهلها للعب دور في غزة بعد الحرب في حال إزاحة "حماس" من السلطة، بحسب شبكة "سي إن -إن".
ويقول خبير الشؤون الإسرائيلية فايز عباس لـ"النهار": "هذه المجموعات التي يدعمها جيش الاحتلال بالسلاح والعتاد تحاول أن تكون بديلاً من حماس في المناطق التي يسيطر عليها الجيش الإسرائيلي، وتحظى بدعم إسرائيلي - على الأقل كما نشر الإعلام الإسرائيلي صوراً وتقارير عن هذه المجموعات - لكن حتى جيش الاحتلال على اقتناع بأنه عندما يرفع الغطاء عن هؤلاء فإنهم سينتهون على المستوى الأمني وحتى الشعبي".

ورغم صغر حجمها وافتقارها إلى المهارة لتحل محل "حماس"، فقد أدخلت هذه الميليشيات غزة بالفعل في مزيد من عدم الاستقرار. باستخدام هجمات الكر والفر، حاولت هذه الجماعات تحدي "حماس" التي عززت سلطتها في المناطق التي لم تعد تحت سيطرة إسرائيل منذ وقف النار.
وإذ تشعر "حماس" بالقلق إزاء وضعها، فإنها تعمل الآن على مطاردة هذه الميليشيات، فيما يزداد قلق الفلسطينيين العاديين من أن ينزلق القطاع الذي مزقته الحرب إلى صراع أهلي مفتوح.
ويضيف عباس: "هذه المجموعات حتى الآن فشلت في فرض سيطرتها على القطاع وهي لن نكون بديلاً من حماس، والبديل الوحيد هو السلطة الوطنية الفلسطينية التي يمكنها فرض سيطرتها على القطاع، لأنها تحظى بدعم شعبي كبير وسيكون سهلاً بالنسبة لها فرض السيادة على القطاع، لكن أي مجموعات إن كانت من داخل القطاع أو من خارجه لن تتمكن من السيطرة على قطاع غزة".
ويتابع: "يمكن القوة التي يعتزم الرئيس الأميركي تشكيلها في القطاع أن تسيطر موقتاً على القطاع لكن ليس لوقت طويل، لأن سكان القطاع سيعتبرونها قوة احتلال وسيقاومونها في المستقبل البعيد".
أكثر الجماعات المعادية لـ"حماس" وأكثرها دعماً من إسرائيل، هي ما تسمى "القوات الشعبية"، التي كان يقودها سابقاً ياسر أبو شباب، وهو زعيم عصابة متحالف مع إسرائيل قُتل هذا الشهر.
ومع ذلك، من الواضح أن طموحات الميليشيات تتجاوز بكثير هزيمة "حماس". فجماعات مثل "القوات الشعبية" التابعة في الجنوب، و"الجيش الشعبي" التابع لأشرف منسي في الشمال، وقوة "مكافحة الإرهاب" التابعة لحسام الأسطل في الشرق، و"جيش الدفاع الشعبي" التابع لرامي حلاس في وسط غزة، تحاول جاهدة إثبات قدرتها على الحكم محلياً.
وفي ظل غياب أفق سياسي واضح، يبقى صراع الميليشيات على النفوذ عاملاً إضافياً لعدم الاستقرار، ما يعمّق مخاوف الغزيين من فوضى ممتدة وصراع أهلي يهدد ما تبقى من القطاع.
نبض