"قسد" تردّ على التهديدات التركية برفع سقف التحدّي
مع قرب انتهاء مهلة نهاية العام الجاري لتنفيذ اتفاق 10 آذار/ مارس بين دمشق وقوات سوريا الديموقراطية (قسد)، يبذل الطرفان مساعي حثيثة لإنقاذ التفاهم الذي اعتُبر مفصلياً في تاريخ سوريا ما بعد بشار الأسد، بالتزامن مع تكثيف أنقرة ضغوطها الديبلوماسية عبر التصريحات التي لاقت ردّاً غير مباشر من قائد "قسد" مظلوم عبدي.
عام "الكونفيدرالية الكردية"
في تحدٍّ لتصريحات كل من دمشق وأنقرة بشأن إنهاء ملف "قسد" مع نهاية العام، أكّد عبدي أن عام 2026 سيكون "بداية مشروعنا العظيم"، نافياً "مزاعم الأعداء أن نهاية هذا العام ستكون نهاية الكرد، وقسد ومشروع روج آفا".
وقال في مقابلة تلفزيونية مع قناة كردية/إيرانية إن "عام 2026 سيكون عام الكونفيدرالية الوطنية الكردية والوحدة بين أجزائها الأربعة".
مقابلة عبدي جاءت بعد تصريحات تركية مرتفعة السقف لوزيري الخارجية هاكان فيدان والدفاع يشار غولر، والتي تضمّنت تلويحاً بإمكان القيام بعمل عسكري في حال "رفض قسد الاندماج" في الجيش السوري الجديد.
وقال غولر إن "قسد" يجب أن تنفصل عن عناصرها الإرهابية، وأن "يتم القضاء التام على الهياكل الأمنية الموازية على الأرض". وشدّد على ضرورة "اندماج قسد كأفراد وليس كوحدة عسكرية، وإلا لما سُمّي ذلك دمجاً".
وتتناقض تصريحات وزير الدفاع التركي مع المسوّدة التي قدّمتها دمشق الى "قسد" كخريطة طريق لتحقيق الاندماج المنشود من الطرفين.
وتضمّنت المسوّدة التي سرّبت إلى الإعلام اندماج "قسد" عبر ثلاث فرق عسكرية ولواءين مستقلّين، بقوام 50 ألف مقاتل، في مقابل تسلّم دمشق السيطرة على المنشآت السيادية والاستراتيجية كالبوابات الحدودية ومنابع الطاقة.
تصريحات غولر جاءت غداة تحذير فيدان من "نفاد صبر الأطراف المعنية" بسبب عدم التزام "قسد" تنفيذ اتفاق 10 آذار.
وقال فيدان في مقابلة مع قناة "تي آر تي" الحكومية التركية، بعد يومين من لقائه المبعوث الأميركي الخاص إلى سوريا توماس براك، إن بلاده لا تؤيّد استخدام القوة العسكرية مجدداً، لكن صبر الأطراف المعنية نفد، ونأمل في التوصل إلى حل بشأن الاندماج بين إدارة دمشق و"قسد" من خلال الحوار.

ورقة "قسد" الأمنية تعقّد حسابات واشنطن
صعّد هجوم تدمر، الذي أسفر عن مقتل جنديين أميركيين في 13 كانون الأول/ ديسمبر، الضغوط الداخلية على واشنطن لناحية ضرورة التأني في مسار دمج "قسد" بالجيش السوري الجديد، في وقت كثّفت فيه أنقرة ضغوطها.
وتتجنّب أنقرة الانزلاق إلى عملية عسكرية جديدة في شمال البلاد وشرقها قد تؤدّي إلى مواجهة مع واشنطن، في وقت تكتسب فيه الآراء المدافعة عن ضرورة بقاء القوات الأميركية في سوريا وشراكاتها مع "قسد" زخماً.
ولطالما حذّرت "قسد" من تنامي قوة "داعش"، وهي تحذيرات ثبت مدى جدّيتها من خلال هجوم تدمر الأخير وما تبعه من هجمات نقطية على عناصر تابعين للسلطة الجديدة شمال البلاد، في مناطق بعيدة عن معقل التنظيم في البادية السورية.
وتعتبر "قسد" أن نزع سلاحها سيجعلها عرضة لهجمات بخلفيات دينية أو عرقية، مستشهدة بالحوادث التي وقعت في كل من الساحل السوري ضد العلويين، والجنوب ضد الدروز، إلى جانب خطر "داعش" في مناطق سيطرتها والمخيّمات التي تؤوي عشرات الآلاف من مقاتلي التنظيم وعائلاتهم.
وتصاعدت الاشتباكات أخيراً بين "قسد" والفصائل المسلحة المنضوية تحت مظلة وزارة الدفاع السورية، واستُخدمت خلالها المسيّرات، في ريفي حلب والرقة، مع مناوشات في دير الزور.
اختبار استيعاب "قسد"
ما يعزّز موقع "قسد" يقينها باستحالة حصول دمشق وحلفائها على ضوء أخضر أميركي للقيام بعملية عسكرية واسعة، استناداً إلى الرؤية الأميركية التي ترى أن استخدام القوة ضد قوات سوريا الديموقراطية سيُضعف جهود بناء سوريا الجديدة، ويزيد من عدم الاستقرار، خصوصاً أن هذه القوات لعبت دوراً مركزياً في مواجهة "داعش"، وهي القوة الرئيسية التي تحافظ على الأمن في شمال شرق البلاد، بينما لا تزال تهديدات التنظيم مستمرة.
ورغم أن الاشتباكات بين "قسد" والقوات المرتبطة بالحكومة السورية تزيد من صعوبة تنفيذ اتفاق 10 آذار، إلا أنها تبقى في سياق محاولة ممارسة الضغوط، مع استبعاد تصعيدها في الظروف الحالية، مع استمرار مخاطر استغلال ذلك من قوى مثل "داعش" أو تيارات إسلامية متطرّفة داخل صفوف "هيئة تحرير الشام" أو متحالفة معها في إدلب، والتي ترفض النهج الجديد للرئيس أحمد الشرع.
وفي حين تنظر المؤسسة الأمنية والعسكرية الأميركية إلى "قسد" كشريك عسكري وأمني موثوق في مكافحة الإرهاب، يشير العديد من الأصوات الديبلوماسية الأميركية إلى كون "قسد" عنصراً أساسياً في أي تسوية سياسية مستقبلية تحفظ الأمن والاستقرار في سوريا، وأن استخدام القوة ضدها قد يُقوّض أي عملية انتقال سياسي.
كل ما سبق يضع دمشق بين فكي الضغوط التركية من جهة، ومخاطر إخفاق استيعاب "قسد" وما قد ينتج منها من تعرّض العملية الانتقالية للخطر من جهة أخرى.
تبدو دمشق حتى الساعة ميّالة إلى تبنّي حلول سياسية واقعية تأخذ في الاعتبار واقع "قسد" كقوة مستقرة نسبياً وامتداداتها الإقليمية وتحالفاتها، وتدفع نحو إطار تفاهم مرحلي يوازن بين مطالبها الحفاظ على سيادتها ورغبة "قسد" في الأمن والحقوق السياسية، تفادياً للانزلاق نحو دوامة جديدة من الصراع.
نبض