اجتماع الشرع مع الداخلية بعد تدمر: اختبار أمني أعمق من الهجوم
بدأت ردة الفعل السياسية الأبرز بعد مقتل الجنود الأميركيين في محيط تدمر باجتماع عقده الرئيس السوري أحمد الشرع مع وزارة الداخلية، في توقيت لافت جاء بينما كانت تداعيات العملية لا تزال تتفاعل أمنياً وإعلامياً، ومع تصاعد متزامن في نشاط تنظيم "داعش" ضد قوات الأمن والجيش السوريين.
البيان الرسمي عن الاجتماع اكتفى بصيغة عامة، مشيراً إلى بحث الأوضاع الأمنية وملف مكافحة الإرهاب، وتعزيز التنسيق بين الأجهزة المختصة. لم يتضمن البيان إشارة مباشرة إلى عملية تدمر أو إلى مقتل الجنود الأميركيين، ولا إلى الملابسات التي أُثيرت لاحقاً حيال طبيعة الاختراق الذي كشفت عنه الحادثة. هذا الإيجاز وضع الاجتماع في خانة الرسائل السياسية أكثر من كونه عرضاً تفصيلياً لما نوقش خلف الأبواب المغلقة.
في المقابل، تداولت أوساط إعلامية وأمنية غير رسمية أن الاجتماع تناول، في جانب أساسي منه، تداعيات عملية تدمر بوصفها حادثة اختراق أمني، لا مجرد هجوم مسلح. وتركّز النقاش، وفق هذه المعطيات، على آليات التدقيق داخل الأجهزة، وسلاسل الإشراف، وإجراءات الفرز والانتساب، في ضوء المعلومات التي بدأت تظهر عن خلفية الفاعل، وعلى وقع تصاعد نشاط التنظيم في الأيام التالية.
زاد من تعقيد المشهد التضارب الذي أحدثته رواية وزارة الداخلية نفسها. فبينما أقرّ متحدث باسم الوزارة في تصريحات إعلامية بأن الفاعل كان عنصراً ضمن الأجهزة الأمنية، وكان مقرراً فصله من عمله بسبب الاشتباه به، وقد كان قرار الفصل سيُنفّذ يوم الأحد، أي بعد مقتل الجنود الأميركيين بيوم واحد، صدر بيان رسمي عن الوزارة يصف الفاعل بأنه منتمٍ إلى "داعش". هذا الفارق بين توصيف وظيفي يشير إلى خلل داخلي، وتوصيف تنظيمي يحصر المسؤولية خارج الجهاز، فتح باباً واسعاً للأسئلة حيال طبيعة الاختراق وحدوده، وبشأن ما إذا كانت القضية تتعلق بحالة فردية أم بثغرات أعمق.

الصحافة الغربية التقطت هذا الجانب تحديداً. تقارير لوسائل أميركية وأوروبية لم تتعامل مع حادثة تدمر بوصفها هجوماً لـ"داعش" فحسب، بل ركّزت على مسألة الاختراق داخل المنظومات الأمنية المحلية. وحذّر تقرير لوكالة "أسوشيتد برس" من خطورة أن يكون منفّذ الهجوم مرتبطاً بجهاز أمني يشارك في مكافحة التنظيم، واعتبر ذلك مؤشراً إلى تحديات بنيوية تواجه الأجهزة في مرحلة انتقالية حساسة، حيث تتوسع بسرعة تحت ضغط الحاجة، فيما تبقى آليات التدقيق والفرز محل اختبار.
في موازاة ذلك، صعّد "داعش" من نشاطه داخل سوريا. خلال الأيام التي تلت عملية تدمر، تبنّى التنظيم رسمياً هجمات استهدفت قوات الأمن والجيش السوريين، في حين لم يصدر عنه أي تبنٍّ مباشر لعملية مقتل الجنود الأميركيين. هذا الفصل في التبنّي بدا لافتاً، وسمح للتنظيم بالتحرك على مستويين: عمليات ميدانية ضد الداخل السوري، وترك حادثة تدمر ضمن مساحة الغموض التي تُربك الشركاء الأمنيين وتضاعف أثر الاختراق.
لاحقاً، اتجهت التطورات نحو إدلب. فبعد أيام من حادثة تدمر، أعلن "داعش" تبنّيه عملية استهدفت قوة أمنية في محيط معرة النعمان، في مؤشر إلى استمرار قدرته على تنفيذ هجمات ضد أهداف أمنية. ثم تزامن ذلك مع تداول واسع لخبر توزيع منشورات في مدينة إدلب وريفها قيل إنها تحمل رسائل تهديد منسوبة للتنظيم، وهو ما وثّقه المرصد السوري لحقوق الإنسان. بهذا المعنى، لم تُطرح إدلب بوصفها توصيفاً أو اتهاماً، بل كمكان انتقلت إليه الوقائع: عملية مُتبنّاة، ثم منشورات تهديد، ما نقل المشهد من مستوى العمليات المسلحة إلى مستوى الحرب النفسية والرسائل الميدانية.
هذه السلسلة من التطورات تضع الأجهزة الأمنية السورية أمام معادلة معقّدة. فالتحدي لم يعد مقتصراً على ملاحقة خلايا مسلحة، بل يشمل التعامل مع غموض خلفيات بعض العناصر، واحتمالات الاختراق عبر الانتسابات الجديدة، في بيئة تتطلب توسّعاً سريعاً في البنية الأمنية. ومع ذلك، يبقى الخطر الأعمق في البعد غير الملموس: فكر متحرّك لا يرتبط بجغرافيا ثابتة، ولا يُقاس حضوره بعدد العمليات فقط، بل بقدرته على النفاذ إلى المؤسسات والأفراد، وترك أثره قبل أن يُكتشف.
في هذا السياق، لا يبدو اجتماع الشرع مع وزارة الداخلية إجراءً بروتوكولياً، بل محطة سياسية في إدارة أزمة مفتوحة، تتقاطع فيها حادثة تدمر مع تصاعد نشاط التنظيم، ومع اختبار داخلي لصلابة المنظومة الأمنية وقدرتها على احتواء اختراقات لا تُقاس بخسائرها المباشرة، بل بما تثيره من أسئلة حيال الثقة، والرقابة، وحدود السيطرة في مرحلة انتقالية شديدة الحساسية.
نبض