تواصل فرنسا تعزيز علاقاتها مع إقليم كردستان على المستويين الأمني والعسكري بشكل مكثف، وهو ما اعتبره مراقبون بمثابة إعلان فرنسي واضح لاختيار الإقليم شريكاً أمنياً استراتيجياً، في ظل بيئة إقليمية شديدة الاضطراب.
وأعلنت القنصلية الفرنسية في إقليم كردستان بدء عشرات الخبراء الأمنيين الفرنسيين تقديم دورات تدريبية لضباط من وزارة الداخلية في الإقليم، تشمل مجالات كشف الوثائق المزورة والجريمة المنظمة بمختلف أشكالها. ويأتي هذا النشاط في إطار الجهد الأمني المشترك بين الطرفين، وخصوصاً في مجال مكافحة الإرهاب. وأكد القنصل الفرنسي في أربيل استعداد بلاده "الدائم لمساعدة إقليم كردستان، كما أثبتت ذلك عبر التاريخ، وخصوصاً خلال الحرب ضد داعش"، مشيراً إلى أن هذا الدعم يمتد اليوم ليشمل مكافحة الجريمة المنظمة. وشدد على أن فرنسا ستظل داعمة ومساندة للإقليم للوقوف معاً في وجه عصابات الاتجار بالبشر.
ويقول المدير العام لديوان وزارة الداخلية في حكومة إقليم كردستان هيمن ميراني، في حديث إلى "النهار"، إن "العلاقات بين حكومتي فرنسا وكردستان وشعبيهما تاريخية للغاية، إذ كان شعب فرنسا وحكومتها مؤازرَين تاريخياً وبشكل مستدام لكردستان. ولا يمكن حكومة الإقليم أن تنسى الدور الفاعل لفرنسا منذ انتفاضة الشعب الكردي عام 1991، كما أن التطور الذي شهده الإقليم بعد عام 2003 كان لفرنسا دور بارز فيه. وحتى في المرحلة الصعبة التي أعقبت الاستفتاء عام 2017، كانت فرنسا مؤازرة للإقليم في أصعب الأوقات".

المدير العام لديوان وزارة الداخلية في حكومة إقليم كردستان هيمن ميراني. (وكالات)

ويضيف ميراني أن "العلاقات على المستوى السياسي في أوج تطورها، إذ يزور الرئيس والوزراء الفرنسيون كردستان بشكل دوري، وكذلك مسؤولو الإقليم. حتى إن فرنسا سمّت أحد الشوارع في العاصمة باريس باسم البيشمركة، وهو ما يحمل رمزية واضحة". ويتابع: "ما يجري راهناً هو تمتين القدرات والأدوات لدى الأجهزة الأمنية في وزارة الداخلية في الإقليم، وقد أبدى الجانب الفرنسي استعداداً لتقديم جميع أشكال التدريب والتطوير، سواء في القطاع الأمني أو المدني. وما تحقق حتى الآن لا يعدو كونه جزءاً من مسار تعاون ثنائي آخذ في التطور، ويعكس مستوى متقدماً من العلاقات السياسية والأمنية".
ويأتي هذا التعاون الأمني بالتزامن مع استقبال رئيس إقليم كردستان نيجرفان بارزاني للممثل الوطني الفرنسي في قوات التحالف الدولي لمكافحة الإرهاب، الجنرال فرانسوا تريكو، والوفد المرافق له. وتكشف مصادر مطلعة لـ"النهار" أن "الجانبين ناقشا بالتفصيل ملف تهديدات داعش وإمكان عودة التنظيم إلى النشاط، إلى جانب استعراض أشكال التعاون المشترك في هذا الملف وسائر القضايا الأمنية". وشكر رئيس الإقليم فرنسا على جهودها الداعمة لكردستان في المجالين الأمني والعسكري، فيما أعلن الوفد التزاماً فرنسياً لمواصلة دعم الإقليم وقوات البيشمركة.
وفي السياق نفسه، يقول مصدر سياسي كردي، لـ"النهار"، إن التعاون الأمني والعسكري بين فرنسا وإقليم كردستان يأتي في ظل أربعة ملفات أمنية بالغة الحساسية تحيط بالإقليم، وتؤثر بصورة مباشرة في مصالح باريس وأمنها القومي. ويضيف: "المشهد الجيوسياسي يشير إلى احتمال دخول العراق أزمة أمنية حادة خلال العام المقبل، قد يتمكن إقليم كردستان وحده من تجاوزها بفضل قراره الاستراتيجي الحياد إزاء ملفات الاستقطاب الإقليمية. كما تتطور الأحداث في سوريا وفق مسارات أمنية يصعب التكهن بها، فضلاً عن الغموض الذي يلف مستقبل المواجهة بين إسرائيل وإيران، أو مسار عملية السلام بين تركيا وحزب العمال الكردستاني".
ويختم بالقول: "وسط هذه البيئة الأمنية القلقة، يحافظ الإقليم على مستوى معقول من الاستقرارين الأمني والسياسي، ما يجعله مؤهلاً ليكون مركزاً لشراكة أمنية مستدامة".