هجوم سيدني يفتح ملف معاداة السامية والإسلاموفوبيا
كانت وسائل الإعلام الإسرائيلية في طليعة الشبكات الإخبارية التي تناقلت خبر الهجوم المسلح الذي شهدته أستراليا خلال حفل إضاءة الشمعة الأولى لعيد الأنوار (حانوكا) على شاطئ بوندي في سيدني، والذي أسفر عن مقتل ما لا يقل عن 16 شخصاً وإصابة 40 آخرين.
وشددت التغطيات على أن الهجوم أتى في أعقاب موجة غير مسبوقة من حوادث "معاداة السامية" التي سجلت أرقاماً قياسية في البلاد منذ هجوم 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023.
ووفقاً لتقرير نشرته صحيفة "هآرتس"، يرى العديد من قادة الجالية اليهودية في أستراليا أن "هجوماً بهذا الحجم لم يكن أحد ليتخيله في بلد كان يُعد من أكثر الدول أماناً لليهود".
بالتوازي، أظهر تقرير صادر عن المجلس التنفيذي لليهود الأستراليين، نُشر هذا الشهر، أن الحوادث "المعادية للسامية" وصلت إلى مستوى مرتفع للغاية للعام الثاني على التوالي، إذ بلغت ما يقارب ثلاثة أضعاف المتوسط السنوي البالغ 342 حادثة خلال السنوات العشر السابقة. ووثّق التقرير 1654 حادثة "معادية للسامية" بين تشرين الأول/ أكتوبر 2024 وأيلول/ سبتمبر 2025، بينما بلغ متوسط الحوادث السنوي 1858 حادثة خلال العامين الماضيين.
وشملت الحوادث المسجلة 24 اعتداءً جسدياً، و33 عملاً تخريبياً، إضافة إلى حوادث حرق متعمد خطيرة استهدفت كنيس "هداس إسرائيل" في ملبورن، ومطعماً يقدم الطعام الكوشير–الحلال وفق الشريعة اليهودية، فضلاً عن 621 هجوماً لفظياً و359 حالة كتابة على الجدران.
وأشار التقرير إلى أن "الكراهية ضد اليهود انتقلت من هامش المجتمع إلى صلبه"، وأن "معاداة السامية الصادرة عن النازيين الجدد، واليسار المعادي لإسرائيل، والإسلاميين، تشهد تزايداً في التوافق الأيديولوجي والتعاون".
"حملة ضد اليهود وإسرائيل"
يبلغ عدد اليهود المقيمين في أستراليا نحو 118,200 نسمة، وقد أشار تقرير صادر عن جامعة تل أبيب إلى أنهم "شهدوا ارتفاعاً مقلقاً للغاية في حوادث معاداة السامية".
بدورها، ذكرت صحيفة "يديعوت أحرونوت" أن "النخبة السياسية الإسرائيلية انخرطت بشكل مكثف في حملة تحذير من تصاعد معاداة السامية والعداء لإسرائيل عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وفي الجامعات في مختلف الدول الغربية". وأضافت: "لا تجزم إسرائيل بأن الدوحة تقف وراء هذه الحملات، إلا أن الأمر يثير قلقاً بالغاً، لا سيما في ظل استثمارات قطرية كبيرة في التعليم العالي في الغرب".
وتدعي الحكومة الإسرائيلية وجود "جهد واسع النطاق ومفتعل" لزيادة الاستياء والكراهية تجاه الإسرائيليين واليهود الصهاينة. ونقلت الصحيفة عن خبراء اعتقادهم أن "الكيانات الحكومية التي تمتلك منظمات نفوذ واسعة، ومدعومة بأجهزة استخبارات، إلى جانب شركات نفوذ خاصة تستأجرها الدول، هي وحدها القادرة على تنفيذ هذه الأنشطة على نطاق عالمي، وبطريقة منسّقة وموقّتة بدقة، تشمل أيضاً حشد شخصيات بارزة ضد إسرائيل". ويُعد المشتبه بهم الرئيسيون، وفق هذه القراءة، قطر وجهات أخرى في العالم العربي، إضافة إلى روسيا والصين، بما يُلحق ضرراً بالغاً بإسرائيل. غير أن قسماً كبيراً من هذا العداء ينبع من أسباب أبسط بكثير، أبرزها الحرب في غزة، التي تسببت بدمار هائل وأدت إلى مقتل أعداد كبيرة من المدنيين الفلسطينيين بصورة يصعب تبريرها، وفق "يديعوت أحرونوت".
في السياق نفسه، ذكرت صحيفة "معاريف" أن "هذه التحركات تعكس القلق المتزايد بشأن أمن المجتمعات اليهودية وسط تصاعد الحوادث المعادية في مختلف أنحاء العالم".

من جهته، قال الصحافي الإسرائيلي نداف إيال إن اليهود بحاجة إلى إسرائيل، لكن ما وصفه بـ"جبن" الحكومة الأسترالية واستيائها من إسرائيل، ومحاولتها استمالة الرأي العام المتعاطف مع "حماس" والفلسطينيين، أدى إلى إهمال أمن الجالية اليهودية.
وأضاف أن المجتمع اليهودي الأسترالي "لم يتجاهل مظاهر معاداة السامية، بل عبّر عن موقف حازم تجاه الحكومة، وطالبها مراراً بعدم إنكار معاداة السامية وإسرائيل والكراهية. وعلى الرغم من التحذيرات المتكررة والتدهور المتواصل، ومحاولة إضرام النار في كنيس يهودي بمن فيه، وجد كثيرون صعوبة في تصديق أن مثل هذا الأمر يمكن أن يحدث".
ولفت إيال إلى أنه زار قبل ثلاثة أشهر سيدني وملبورن، حيث تبدو كل الأمور أصغر حجماً، كما أن النفوذ السياسي لليهود الأستراليين محدود مقارنة بالولايات المتحدة. وأضاف أن الحكومة الحالية "تتجاهل فئات ديموغرافية، ولا سيما الأقليات، بمن فيهم المسلمون الذين يرون في إسرائيل أصل كل شر. ولهذا السبب، حين تُنشئ الحكومة فريق عمل لمكافحة معاداة السامية، تشعر بأنها مُلزَمة أيضاً بإطلاق مبادرة لمكافحة الإسلاموفوبيا".
وأضاف إيال أن "محاولة تحقيق المساواة هنا زائفة؛ فالمجتمع اليهودي أصغر حجماً وأكثر هشاشة، في حين أن معاداة السامية والتعبيرات العدائية ضد اليهود أعلى بكثير. كما أن الاحتفال بالأعياد الإسلامية لا يتطلب حراسة مسلحة كما هو الحال مع المناسبات اليهودية". ولفت إلى أن "إسرائيليين زاروا أستراليا واجهوا مشكلات مع ضوابط الحدود، وأن العداء الحكومي بلغ حداً دفع مؤسسات يهودية إلى مطالبة ضيوف إسرائيليين بعدم الإعلان عن زياراتهم إلا بعد مغادرتهم البلاد".
وخلص إلى أن اليهود في أستراليا "يعيشون حياة نشطة، يديرون مدارس ومراكز مجتمعية، ويحتفلون بعيد الأنوار، إلا أن الهجوم الأخير يشكل نقطة تحوّل لا رجعة فيها". وأشار إلى خطوة نادرة أقدمت عليها الحكومة الأسترالية بطرد السفير الإيراني، بعد ورود معلومات ساهمت إسرائيل في توفيرها، تفيد بأن إيرانيين كانوا وراء إحراق كنس يهودية.
ودأبت الجاليات اليهودية حول العالم على بدء كل فعالية بالدعاء لسلامة جنود الجيش الإسرائيلي والأسرى، وجمع التبرعات، والسفر إلى إسرائيل مراراً. ولذلك، يرى إيال أن على إسرائيل ممارسة ضغط أكبر على الحكومات لتعزيز أمن الجاليات اليهودية، وتمويل إرسال حراس أمن إسرائيليين إليها.
معاداة السامية أم معاداة الصهيونية والإسلاموفوبيا؟
على الرغم من الاختلاف العميق داخل المجتمع اليهودي بشأن الصهيونية، فإن الحكومة الإسرائيلية وحلفاءها يروّجون منذ فترة طويلة لفكرة أن معاداة الصهيونية ومعاداة السامية "وجهان لعملة واحدة". وقد بلغ هذا الخلط ذروته خلال الحرب في غزة، وساهم في تصعيد الاتهامات في مختلف أنحاء العالم، بحيث بات كل حدث يُربط مباشرة بالإسلام والمسلمين.
يدّعي الإعلام الإسرائيلي امتلاك معرفة كاملة بكل ما يجري، لكنه ينتهي غالباً إلى سوء الفهم، فيتجه إلى التحريض العنصري ضد الإسلام، وإزدراء الأديان، وبث الكراهية المفرطة ضد المسلمين والفلسطينيين على وجه الخصوص، في سياق سياسي متشدد يندرج ضمن ظاهرة الإسلاموفوبيا التي تخلط بين الإسلام والإرهاب.
ويعرّف البروفيسور آفي شلايم، أحد المؤرخين الجدد، معاداة السامية بأنها كراهية الشعب اليهودي لكونه يهودياً، في حين أن معاداة الصهيونية هي معارضة للإيديولوجية الصهيونية، أو بعبارة أوضح، انتقاد سياسات محددة تنتهجها الحكومة الإسرائيلية، ما يجعلها ذات أبعاد سياسية بالدرجة الأولى.
وبينما تبقى معاداة السامية شكلاً قبيحاً من الكراهية لا يمكن تبريره بأي حال، فإن الخطاب المناهض للصهيونية يميل إلى الاستناد إلى الأدلة والوقائع.
ويخلص شلايم إلى أن "جوهر المشكلة يكمن في الخلط المتعمد بين المفهومين لإسكات أي انتقاد للحكومة الإسرائيلية وسياسات الاحتلال التي تنتهجها بحق الفلسطينيين".
نبض