أطباء تكتموا عن التعذيب أيام الأسد يمارسون الطب بحرية في أوروبا
كشفت تحقيقات أن أطباء سوريين أخفوا أدلة على التعذيب الذي يمارسه نظام بشار الأسد في شهادات الوفاة، يعملون الآن في مجال الطب في أوروبا.
تُظهر مجموعة واسعة من الوثائق والصور التي تم الحصول عليها من فروع المخابرات السورية في العاصمة دمشق كيف لعبت المستشفيات العسكرية دوراً مركزياً في اعتقال النظام الجماعي لمواطنيه وتعذيبهم وقتلهم.
من مهامه تصوير جثث السوريين الذين ماتوا أثناء الاحتجاز
عندما سقط النظام في العام الماضي، توافد السوريون على السجون ومراكز الاعتقال بحثاً عن أحبائهم المختفين. وفي حين تمكن البعض من العثور على السجناء الناجين وتحريرهم، لا يزال الآلاف دون إجابات. وتلقي الملفات، التي تتضمن صوراً لأكثر من 10 آلاف معتقل قُتلوا في السجون، ضوءاً جديداً على كيفية سعي النظام لإخفاء جرائمه وراء غابة من البيروقراطية، بحسب التقرير.
التقط الصور مصور يعمل لدى الشرطة العسكرية، وكان من مهامه تصوير جثث السوريين الذين ماتوا أثناء الاحتجاز. حصلت عليها محطة NDR الألمانية وشاركتها مع صحيفة "التايمز" والاتحاد الدولي للصحافيين الاستقصائيين ووسائل إعلام أخرى حول العالم.
تكشف الصور عن تعذيب على نطاق واسع. وتشمل الجثث المصورة نساء ورجالاً وطفلاً رضيعاً.
تم تصوير الضحايا في مؤخرة شاحنات السجون أو على الأرض، وغالباً ما تظهر عليهم علامات الجوع وسوء التغذية والضرب والإهمال الطبي. بعضهم كان مكدساً كالحطب أو مغطى بالذباب. الآلاف منهم مجهولو الهوية ونقلوا إلى مقابر جماعية، تاركين عائلاتهم دون أي سجلات عن كيفية أو وقت وفاة أحبائهم.
ومن بين الذين ظهروا في الصور مازن الحمادة، وهو ناشط هرب إلى أوروبا واشتهر بمشاركة قصته عن التعذيب في أحد السجون. عاد إلى البلاد من برلين في عام 2020 بعد أن اعتقد أن المخابرات السورية هددت عائلته، وتوفي في الحجز قبل بضعة أشهر من سقوط نظام الأسد.

سبب وفاة السجناء: توقف القلب والتنفس
في عام 2016 وحده، تم تصوير 3166 ضحية - ما يصل إلى 177 في يوم واحد. استمر التوثيق حتى الأيام الأخيرة للنظام، ما يظهر كيف عذب المسؤولون السجناء على نطاق واسع حتى بعد نشر صور "قيصر" عام 2015، وهو الاسم الرمزي لمنشق هرّب أرشيفاً مشابهاً من سوريا. أثارت هذه الصور غضباً دولياً ودفعت الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى التوقيع على قانون قيصر، وهو حزمة من العقوبات على سوريا، خلال ولايته الأولى.
في عام 2014، كشف قيصر، الذي أعلن في وقت سابق من هذا العام عن هويته بأنه فريد المدحان، الرئيس السابق لقسم الأدلة الجنائية في الشرطة العسكرية في دمشق، لفريق من المحققين الدوليين أن ضباطاً عسكريين كُلفوا بتصوير الجثث لإثبات تنفيذ أوامر القتل. وقال إن الصور استُخدمت في شهادات الوفاة. في معظم الحالات، أوردت هذه الوثائق الصادرة عن الحكومة بشكل خاطئ أن سبب وفاة السجناء هو توقف القلب والتنفس.
كان نظام الأسد يدير أكثر من 100 منشأة احتجاز في أنحاء البلاد، بما في ذلك سجن صيدنايا الشهير. كانت بعض المستشفيات العسكرية، مثل مستشفى تشرين ومستشفى حرستا بالقرب من دمشق، تضم أجنحة أو طوابق احتجاز يتم نقل المعتقلين إليها وحراستهم. وهنا كان الأطباء يُستدعون للمساعدة في إصدار شهادات الوفاة، بالإضافة إلى علاج السجناء. تشير شهادات الوفاة إلى أسباب طبيعية، لكن الأدلة المستمدة من الصور والسجلات الأخرى تظهر إصابات وسوء تغذية بين جميع الذين لقوا حتفهم تقريباً.
تكشف بعض الشهادات التي اطلعت عليها صحيفة "التايمز" أن أطباء يمارسون عملهم حالياً في أوروبا ساعدوا في توثيق الوفيات.
تسجل إحدى الوثائق، الموقعة من قبل طبيب يمارس عمله في ألمانيا، وفاة ستة سجناء تم نقلهم إلى المستشفى معاً. لم يتم ذكر أسماء أي منهم. وجاء في الوثيقة: "وصل المعتقلون إلى قسم الطوارئ في 21/11/2013 بعد إصابتهم بسكتة قلبية. لم تنجح محاولات الإنعاش". وأشار تقرير للأمم المتحدة نُشر العام الماضي إلى أن شهادات الوفاة، التي وزع بعضها على العائلات، تضمنت معلومات كاذبة بهدف إخفاء الأسباب الحقيقية للوفاة.
كما يزعم بعض المعتقلين السابقين أن الأطباء شاركوا في تعذيبهم. لم يتم التحقق من ذلك، ولا يُعرف ما إذا كان النظام قد مارس ضغوطاً على المهنيين الطبيين.
في يونيو/حزيران، أدانت محكمة ألمانية طبيباً سورياً آخر، هو علاء موسى، بتعذيب وقتل معتقلين في مستشفى عسكري وفي منشأة تابعة للمخابرات العسكرية. وحُكم على موسى بالسجن مدى الحياة لارتكابه جرائم ضد الإنسانية، بما في ذلك إحراق سجناء وإجراء عمليات جراحية دون تخدير.
شهادات أطباء
قال طبيب كان يعمل في مستشفى حرستا، وطلب عدم ذكر اسمه، إنه شاهد تعذيباً وسوء معاملة شديدين. كان الجنود الذين يدخلون الأجنحة يطفئون السجائر على أجساد السجناء، ويصبون المياه القذرة من المرحاض على جروحهم، ويمارسون العنف عليهم. وأضاف أن شاحنة كبيرة محملة بالجثث كانت تصل مرتين في الأسبوع تقريباً، وتُلقى الجثث على عشب المستشفى "كما يُلقى الرمل في موقع بناء"، لكنه لم يعرف ماذا كان يحدث لها بعد ذلك.
وقال طبيب سابق آخر، أصبح شاهداً في قضية جنائية كبرى في ألمانيا، إن الجثث كانت تُكدس في شاحنات مبردة بيضاء وتُنقل إلى مقابر جماعية.
وقالت مصادر في سوريا إنه بعد عام 2015، تم نقل الطاقم الطبي إلى مستشفيات أخرى حتى يمكن استخدام مستشفى حرستا فقط لمعالجة جثث الذين ماتوا في الحجز.
ووصفت أنصار شاهود، الباحثة المتخصصة في جرائم النظام السوري، العلاقة بين المستشفيات والجيش بأنها "إبادة جماعية طبية". وقالت: "استخدموا المستشفيات كسجون، وكان ذلك استخداماً منهجياً حقاً. كان عدد القتلى داخل المستشفيات أكثر من عدد القتلى في السجون... هناك مستشفيات شاركت في عمليات القتل الجماعي في سوريا".
نبض