إقليم كردستان مركز الثقة الأميركية: ما سرّ تشييد أكبر قنصلية في العالم؟
في حدث ذي دلالة سياسية واضحة، افتُتحت في مدينة أربيل، عاصمة إقليم كردستان العراق، أكبر قنصلية للولايات المتحدة على مستوى العالم، ستكون مقراً لموظفين من سبع وزارات وعدد من الوكالات الاتحادية الأميركية، ومركزاً سياسياً ولوجيستياً وخدمياً لتمتين العلاقات بين الولايات المتحدة وإقليم كردستان.
ويقول مصدر سياسي كردي، في حديث الى "النهار"، إن حجم القنصلية الجديدة للولايات المتحدة في الإقليم وهيكلتها وتكلفتها أمور ذات دلالة على الحضور الاستراتيجي للإقليم في استراتيجية السياسة الخارجية الأميركية.
ويضيف: "زمنياً، تتطور العلاقة بين الولايات المتحدة وكردستان منذ عام 1991 حتى الآن بشكل مضطرد، من حماية إنسانية إلى رعاية مشروع الحكم الذاتي، وصولاً للمساهمة في إسقاط نظام البعث، وليس انتهاءً بالتوافق على الفيدرالية والشراكة في شكل العراق الجديد، سياسياً وثقافياً واقتصادياً"، مشيراً إلى أنه "طوال ثلث قرن كامل، أثبت الأكراد أنهم يشاركون الولايات المتحدة الكثير من القيم والرؤى بشأن مستقبل المنطقة، وكانوا عناصر فعالة في ملفات محاربة الإرهاب، وتشييد الاقتصاديات الليبرالية، ودعم مشاركة النساء في الحياة العامة، ومناهضة القيم الصراعية. والولايات المتحدة تدرك أهمية الشعب الكردي ضمن نسيج المنطقة، سواء ضمن العراق أو دول الجوار".
ويقع مبنى القنصلية الجديد قرب مركز مدينة أربيل، وتبلغ مساحته 125 ألف متر مربع، وقد منحت حكومة إقليم كردستان الأرض هبة الى الولايات المتحدة، وقاربت تكلفة التشييد 800 مليون دولار. كان حجر الأساس قد وُضع في أواسط عام 2018، لكن قضايا مثل جائحة كورونا وسحب الولايات المتحدة موظفيها من العراق مرات عدة أخرت الإنجاز، كما تعرض المبنى الحالي لعمليات قصف متعددة خلال السنوات الماضية، بحيث كانت المضادات الأرضية تمنع وصول الصواريخ والمسيرات إليه.
أبعد من مجرد قنصلية إدارية
حسب التشييد الهندسي، لن يكون المبنى الجديد مجرد مركز لتنفيذ العمليات القنصلية وإدارة العلاقات السياسية فحسب، بل يتجاوز ذلك ليكون مركزاً لوجيستياً لعمل الكثير من المؤسسات الأميركية الاقتصادية والثقافية والأمنية وحتى العسكرية. فالمواصفات المعلنة تؤكد أنه يكاد يكون موازياً للسفارة الأميركية في العاصمة بغداد نفسها، وبديلاً منها إذا استدعت الحاجة، مثلما حدث أكثر من مرة خلال السنوات الماضية حين تعرضت السفارة لعمليات حصار وقصف متعددة. فالمبنى يضم إلى جانب مئات المكاتب أكثر من 100 وحدة سكنية على شكل شقق ومنازل للموظفين وعائلاتهم، ووحدات سكنية تأخذ نمطاً فندقياً للزوار الموقتين، ومقاراً لإقامة حرس الأمن من قوات المارينز والفرق العسكرية.

حضر احتفال افتتاح المبنى الجديد مسؤولون سياسيون وحكوميون في إقليم كردستان، وأشادوا بالعلاقات الإيجابية والمتنامية التي تجمع الولايات المتحدة بالإقليم. وقدّر رئيس حكومة إقليم كردستان مسرور بارزاني الدور الأميركي في حماية كردستان وتشييد العراق الجديد، مؤكداً دعم سياسات الرئيس دونالد ترامب في تعميم السلام في المنطقة. فيما كانت كلمة نائب وزير الخارجية الأميركي مايكل ريغاس الذي حضر الاحتفالية شديدة الدلالة، إذ قال في جزء منها إن "الولايات المتحدة تحض شركاءها العراقيين والأكراد على اغتنام هذه اللحظة لتجريد الميليشيات المرتبطة بإيران من النفوذ وتفكيكها، لما تواصل القيام به من أعمال عنيفة وزعزعة للاستقرار، لا تجلب سوى الضرر لسيادة العراق". وتابع: "نحن فخورون بشراكتنا العميقة والقديمة مع شعب هذه المنطقة، وممتنون للدور الذي يؤديه إقليم كردستان العراق بصفته شريكاً أمنياً فعالاً وقادراً، وصوتاً موثوقاً في العراق وفي عموم المنطقة. إن وجود إقليم كردستان عراقي قوي ومستقر ومتين هو ركيزة أساسية في العلاقة التي تجمع الولايات المتحدة بالعراق".
وفي هذا السياق، يؤكد الباحث والكاتب شفان رسول في حديث الى "النهار" أن الولايات المتحدة "تعتبر كردستان مركز ثقة أساسياً بالنسبة إليها، أو ما يمكن تسميتهم الحلفاء المستأمنين".
ويعتبر أن "هذا المبنى وما يخصه من مهمات لوجيستية واسعة، شُيد بسبب ما يحوط الإقليم من بيئة غير آمنة، إذ إن باقي مناطق العراق وسوريا وإيران هي مناطق اضطراب بالنسبة للولايات المتحدة". ويضيف: "حتى علاقات إقليم كردستان بتركيا نفسها ليست بالمستوى ذاته من المتانة كما هي مع الولايات المتحدة".
نبض