زيارة البابا لتركيا تشعل جدلاً بين الرمزية الدينية والحساسية الوطنية

المشرق-العربي 14-11-2025 | 06:58

زيارة البابا لتركيا تشعل جدلاً بين الرمزية الدينية والحساسية الوطنية

في حين ترى الحكومة التركية في الزيارة فرصة لتعزيز صورة البلاد كجسر بين الحضارات، يجادل بعض التيارات القومية والدينية بأن الزيارة تمثّل تدخلاً في الشؤون الوطنية والثقافية، وتحمل رسائل سياسية محتملة تتجاوز الطابع الديني.
زيارة البابا لتركيا تشعل جدلاً بين الرمزية الدينية والحساسية الوطنية
البابا لاون الرابع عشر يلوح بيده لدى وصوله إلى ساحة القديس بطرس في الفاتيكان. (أ ف ب)
Smaller Bigger

تثير زيارة البابا لاوون الرابع عشر إلى تركيا جدلاً واسعاً داخل البلاد، بين من يعتبرها حدثاً رمزياً يعيد التواصل مع الجذور المسيحية، وبين من يراها محاولة لإحياء رموز تتناقض مع السيادة الوطنية والهوية التركية.
وفي حين ترى الحكومة التركية في الزيارة فرصة لتعزيز صورة البلاد كجسر بين الحضارات، يجادل بعض التيارات القومية والدينية بأنها تمثّل تدخلاً في الشؤون الوطنية والثقافية، وتحمل رسائل سياسية محتملة تتجاوز الطابع الديني.

 

رحلة البابا الدينية – السياسية
كشف الفاتيكان عن تفاصيل برنامج الزيارة الرسمية للزعيم الروحي للكنيسة الكاثوليكية، البابا لاوون الرابع عشر، والتي تشمل تركيا ولبنان بين 27 تشرين الثاني/ نوفمبر الجاري و2 كانون الأول/ ديسمبر المقبل.
وسيزور البابا، في أول رحلة خارجية له بعد انتخابه، بمناسبة الذكرى الـ1700 لمجمع نيقية الأول، بقايا الكنيسة القديمة المغمورة تحت مياه بحيرة إزنيق، التي يُعتقد أنها كانت موقع انعقاد المجمع عام 325 ميلادية، أحد أهم المجامع في تاريخ المسيحية.
ووفقاً للبيان الصادر عن الفاتيكان، سيصل البابا في 27 تشرين الثاني، إلى العاصمة أنقرة، حيث سيزور ضريح أتاتورك (أنيتكابير) ثم يعقد لقاءات رسمية مع المسؤولين الأتراك، بينهم رئيس الجمهورية. وبعد انتهاء محادثاته الرسمية، يتوجه مساءً إلى إسطنبول ليبدأ يومه الثاني بزيارة كاتدرائية الروح القدس في حي حرّبيه في اسطنبول، قبل التوجّه إلى إزنيق.
وفي 29 تشرين الثاني، يزور مسجد السلطان أحمد (الجامع الأزرق)، ثم يلتقي ممثلي الطوائف المسيحية في اسطنبول. ومن المقرر أن يترأس قداساً كبيراً في صالة "فولكسفاغن أرينا" مساء اليوم نفسه.
أما في 30 تشرين الثاني، فيشارك في قداس يُقام في كنيسة السيدة العذراء البطريركية في كومكابي، ثم يعقد لقاءً مع البطريرك المسكوني برثلماوس في اسطنبول، قبل المغادرة إلى بيروت لبدء الجزء الثاني من رحلته الرسولية.
سيكون البابا لاوون الرابع عشر خامس بابا يزور تركيا رسمياً، بعد البابا بولس السادس عام 1967، والبابا يوحنا بولس الثاني عام 1979، والبابا بنديكتوس السادس عشر عام 2006، والبابا فرنسيس عام 2014، وجميعهم اختاروا نهاية تشرين الثاني للقيام بهذه الزيارات.
واعتبر مطران الكلدان في تركيا صبري أنار أن الزيارة "خطوة مهمة لإعادة التواصل مع الجذور العقائدية والثقافية للعالم المسيحي، مؤكدة القيم المشتركة بين الشعوب".
وقال إن "الزيارة يمكن النظر إليها في تركيا بوصفها لفتة ديبلوماسية ثقافية تُبرز غنى الميراث الحضاري للأناضول، وتعزز صورة تركيا كجسر بين الحضارات"، مضيفاً: "كما أن تخصيص البابا لتركيا كوجهته الوحيدة خارج إيطاليا هذا العام، يضفي على الزيارة أهمية ديبلوماسية خاصة. فبالنسبة للفاتيكان، لا تُعد تركيا بلداً ذا غالبية مسلمة فحسب، وإنما أرض مقدسة احتضنت المراحل الأولى من تشكّل العقيدة المسيحية ومؤسساتها الأولى".

 

البابا لاون الرابع عشر. (أ ف ب)
البابا لاون الرابع عشر. (أ ف ب)

 

الطائفة الأرثوذكسية التركية ترفض الزيارة
ترى العديد من الطوائف المسيحية في تركيا، من الروم الأرثوذكس والموارنة والأرمن والكلدان والسريان، في زيارة البابا دعماً معنوياً لها يزيد من حضورها في المشهد العام. أما اللقاء المرتقب بين البابا وبطريرك الروم الأرثوذكس برثلماوس في اسطنبول، فيحمل طابعاً تاريخياً من حيث مسار الحوار المسكوني بين الكنيستين الكاثوليكية والأرثوذكسية، المنفصلتين منذ "الانشقاق الكبير" عام 1054. ورغم أن هذا اللقاء لن يحقق وحدة عقائدية كاملة، فإنه يمثل خطوة مهمة في تطوير "الديبلوماسية المسكونية" وتعميق الحوار اللاهوتي بين الجانبين.
وتُذكّر الزيارة بإرث مجمع نيقية الذي انعقد عام 325، وهو المجمع الذي أسّس لأسس العقيدة المسيحية وأقرّ "بيان الإيمان النيقي" الذي وحّد الكنيسة آنذاك. مثّل هذا المجمع، بالنسبة للعالمين الكاثوليكي والأرثوذكسي، نقطة تحوّل كبرى حملت في آنٍ واحد عناصر الوحدة والانقسام.
لكنّ للطائفة الأرثوذكسية التركية رأياً آخر في الزيارة، وهي التي عبّرت عن رفضها الصريح لها، ووصفتها بأنها عمل سياسي مقنّع برداء ديني، معتبرة أنها تهدف إلى إحياء رموز تتناقض مع الهوية الوطنية والسيادة التركية.
وجاء في بيان الطائفة أن "الزيارة ليست خطوة روحية، بل محاولة لإعادة الاعتبار للكنائس اليونانية والأطراف الغربية التي كانت في خلاف دائم مع الدولة العثمانية ثم الجمهورية التركية".
وتنحدر الطائفة الأرثوذكسية التركية من الأتراك الكرامانيين الذين ظلوا معتنقين للديانة المسيحية، وفي الوقت ذاته قاتلوا إلى جانب الجيش التركي بقيادة مصطفى كمال أتاتورك في حرب الاستقلال. وبعد الحرب، أسس زعيمهم البابا أفريم (زكي إرنرول) الكنيسة الأرثوذكسية التركية في إسطنبول كردّ رمزي ووطني على البطريركية اليونانية في فنر، التي اعتبرها معادية للهوية القومية التركية.
وفي تصريحات إعلامية، رأى المتحدث باسم بطريركية الأرثوذكس الأتراك سلجوق إرنرول، أن "زيارة البابا تمثّل تهديداً لوحدة تركيا وسيادتها الوطنية، والحلقة الأخيرة في لعبة سياسية دولية بالكامل".
وقال إرنرول لوسائل إعلام تركية: "منذ عام 1949، وبضغط أميركي، حاول البعض إعلان مركزية البطريركية الأرثوذكسية عبر أراضينا، وهذه اللعبة تهدد وحدة الجمهورية التركية وسيادتها الوطنية. هذه اللعبة الخطيرة لا يمكن تبريرها بغطاء التسامح الديني. إنها محاولة للوصول إلى قوة مدنية دولة فريدة، وتعتبر تحدياً لوحدة جمهوريتنا، ويجب التراجع عنها فوراً".
وشدد على أن "كنيسة القديس جورج الأرثوذكسية هي كنيسة أقلية محددة بالمعاهدات، بما فيها اتفاقية لوزان والدستور التركي، ولا تملك أي تمثيل سياسي. يجب إعادة هذا الكيان، الذي أصبح أداة للألعاب السياسية، إلى حدود القانون التركي".

وصية البابا فرنسيس والتحالفات التاريخية
خلال حقبة الحرب الباردة، حاولت الولايات المتحدة تطويق الاتحاد السوفياتي دينياً، مدّعية أن كنيسة القديس جورج هي المركز الأرثوذكسي العالمي. وواصلت الولايات المتحدة هذا الادعاء حتى اليوم، مستهدفة التأثير على روسيا، الدولة التي تضم أكبر عدد من الأرثوذكس.
وفي عام 2019، انفصلت الكنيسة الأوكرانية عن بطريركية موسكو بموجب وثيقة الاستقلال التي وقّعها البطريرك برثلماوس.
تُفسَّر زيارة البابا لتركيا وادعاءات البطريركية الأرثوذكسية المركزية على أنها دعم لمحاولة كنيسة القديس جورج فرض التفوّق السياسي على بطريركية موسكو.
لكن تقارير إعلامية كشفت في وقت سابق عن مدى اهتمام البابا الراحل فرنسيس بزيارة إزنيق من خلال وصية شفوية، قال فيها: "إذا لم أعد على قيد الحياة، على خليفي أن يزور إزنيق".
وكان البطريرك برثلماوس قد قام، خلال حضوره مراسم تنصيب البابا لاوون الرابع عشر الرسمية في 18 أيار/ مايو الفائت، بدعوته رسمياً الى زيارة تركيا بمناسبة ذكرى المجمع المسكوني الأول.


العلامات الدالة

الأكثر قراءة

تركيا 11/12/2025 8:41:00 AM
دفع المدير، التلميذ البالغ من العمر 13 عاماً بقوة عن الدرج، ثم ابتعد تاركاً إياه يتألم على الأرض من دون تقديم أي مساعدة.
لبنان 11/13/2025 3:19:00 PM
جعجع: مستقبل لبنان القريب  يجب ألّا يكون محصوراً بين خيارَي الحرب الأهلية أو حرب إسرائيلية جديدة
مجتمع 11/13/2025 4:43:00 PM
أكّد المدير العام للطيران المدني المهندس أمين جابر أنّ التحويل في مسار الرحلات جاء نتيجة الأحوال الجوية القاسية في الشمال.