انتخابات العراق 2025... اختبار جديد لمنظومة راسخة وجيل يسعى للتغيير

المشرق-العربي 10-11-2025 | 22:40

انتخابات العراق 2025... اختبار جديد لمنظومة راسخة وجيل يسعى للتغيير

هل تعيد الانتخابات العراقية إنتاج المشهد ذاته كما يتوقع كثيرون، أم يحدث دخول دماء شابّة واسعة تحوّلاً تدريجياً في أسلوب إدارة الدولة؟ 
انتخابات العراق 2025... اختبار جديد لمنظومة راسخة وجيل يسعى للتغيير
شرطي عراقي يقف خارج مركز اقتراع في منطقة الكرادة ببغداد قبيل انطلاق الانتخابات البرلمانية في البلاد. (أ ف ب)
Smaller Bigger

عشية الانتخابات البرلمانية في العراق، تُطرح تساؤلات جوهرية: هل تعيد هذه الانتخابات إنتاج المشهد ذاته كما يتوقع كثيرون، أم تُدخل دماء شابّة تُحدث تحوّلاً تدريجياً في أسلوب إدارة الدولة؟ بين رؤية القوى التقليدية المشككة في التغيير، وصوت شبابي يحاول اختراق المشهد السياسي، تبدو العملية الانتخابية اختباراً حقيقياً لتوازنات ما بعد عام 2003.


يقول النائب محمد الزيادي إن هذه الانتخابات لا تختلف كثيراً عن سابقاتها، إذ تتنافس فيها الكتل السياسية نفسها التي خاضت الدورات الماضية وبالمسمّيات ذاتها، متسائلاً: "هل تبقى هذه الكتل بالفاعلية نفسها لإدارة البلد؟".


ويتوقع الزيادي، في حديث لـ"النهار"، أن تفرز الانتخابات "تغييراً في أسلوب تعاطي الكتل السياسية مع إدارة الدولة، انسجاماً مع التحولات التي شهدتها المنطقة والوضع الإقليمي والدولي".


ويضيف أن "النظام السياسي الحالي هو نظام برلماني، وهناك أمثلة عدة على هذا النوع من الأنظمة، من بينها نظام الديموقراطية التعددية التي تقوم على وجود أكثر من قومية أو كتلة أو لغة، ما يفرض توزيع المناصب بين مختلف الأطراف. وهذا الخيار لا بد منه في العراق"، مشيراً إلى أنه "إذا اتجهنا نحو نظام آخر، فإن مناصب الرئاسات الثلاث ستؤول إلى المكوّن الشيعي باعتباره الأغلبية، وهو أمر لا يمكن تطبيقه في العراق".


ويتساءل: "هل سيكون رئيس الوزراء المقبل قادراً على إدارة المرحلة المقبلة وحل الأزمات الاقتصادية وأزمة المياه والديون الداخلية والخارجية، إضافة إلى ملف السياسة الخارجية؟"، مبيّناً أن المرحلة المقبلة تحتاج إلى قيادة حازمة وقوية قادرة على تفكيك الأزمات. ودعا مجلس النواب إلى عدم التصويت على رئيس وزراء "تنتجه خلطة عطار"، أي توازنات شكلية، لا يمتلك المؤهلات اللازمة لمعالجة الملفات المصيرية لمستقبل العراق.

 

تجمّع انتخابي لتحالف إعادة الإعمار والتنمية في بغداد. (أ ف ب)
تجمّع انتخابي لتحالف إعادة الإعمار والتنمية في بغداد. (أ ف ب)

 

في مطلع تشرين الثاني/نوفمبر الجاري، أعلن 15 كياناً سياسياً مدنياً تأسيس مجلس سياسي تشاوري يهدف إلى تنسيق المواقف والرؤى بين القوى الوطنية والمدنية، لمواجهة ما وصفوه بـ"الأزمة البنيوية" في النظام السياسي العراقي.


وفي بيانه الأول، أكد المجلس أن الانتخابات البرلمانية المقبلة "لن تُحدث تغييراً حقيقياً في ظل الظروف الحالية"، معتبراً أنها ستعيد إنتاج الفشل والفساد وتمنح شرعية شكلية لعملية سياسية فقدت مصداقيتها.


يقول الكاتب والمراقب السياسي مصطفى الفرج إن المشهد السياسي العراقي "لا يزال مرتهناً لنفوذ السلاح المنفلت والمال السياسي والتبعية للخارج"، مشيراً في حديث لـ"النهار" إلى أن الأحزاب المتصدّرة للمشهد "أثبتت عجزها عن استيعاب متطلبات الإصلاح".


ولا يعوّل الفرج على نتائج الانتخابات البرلمانية المتوقّع إعلانها خلال يومين، في ظل غياب التطبيق الصارم لقانون الأحزاب، والاكتفاء بآليات ديموقراطية شكلية، وعدم تحقيق المساواة وتكافؤ الفرص.


ويرى ضرورة توحّد القوى الوطنية في جبهة معارضة للمنظومة السياسية الحاكمة، وصوغ رؤية إصلاحية شاملة تنطلق من مصلحة العراق العليا، ثم الانفتاح على المجتمع الدولي، مؤكداً أنه "لا يمكن أن يخرج إصلاح سياسي حقيقي من عقلية القوى التقليدية التي تتصدّر المشهد منذ أكثر من عقدين".


في المقابل، يرجّح الأكاديمي والصحافي أحمد فاضل أن تشهد الانتخابات المرتقبة نسبة مشاركة منخفضة، في ظل الإحباط الذي رافق الناخبين على مدى عقدين من الانتخابات التي لم تُحدث تغييراً حقيقياً في المشهد السياسي، مضيفاً أن مقاطعة التيار الصدري ستزيد من معدّل العزوف.


ويقول فاضل لـ"النهار" إن "ما نشهده الآن هو صراع نخب لا صراع برامج، إذ تحوّلت الانتخابات إلى ساحة لإعادة توزيع النفوذ بين الأحزاب التقليدية"، مشيراً إلى أن النفوذ يُشترى بالمال السياسي في ظل ما سمّاه "انتخابات المليارديرات".


ويفسّر فاضل إصرار الكتل ومرشحيها على النفوذ بأنه يُترجم بعد الفوز إلى مناصب حكومية ومصادر تمويل وامتيازات. ويشير إلى أن "الإطار التنسيقي سيحتفظ بزعامة المشهد الشيعي، وربما يشكّل حكومة توافقية مع الأكراد والسنّة".


ويرى أن كل قائمة أو حزب تقليدي خاض الانتخابات بصورة منفردة للحصول على أكبر قدر من المقاعد، مبيناً أنه بعد الاقتراع ستبدأ عملية "المقايضة" بين المقاعد والمناصب.


ويذكر فاضل أن الانتخابات الحالية تتسم بـ"هدوء نادر"، لكن أي اختلال في التوازنات قد يهزّ الاستقرار سريعاً. ويخلص إلى أن إصلاح النظام السياسي "غير مرجّح"، مؤكداً أن الانتخابات ستبقى "واجهة ديموقراطية" تفتقر إلى الجوهر، لأن الإصلاح الحقيقي يتطلب قانوناً انتخابياً عادلاً، وتحييد مفوضية الانتخابات، وتفعيل الرقابة البرلمانية.


وبخلاف ما يذهب إليه فاضل، يرى مراقبون أن الإحباط الطويل دفع شريحة واسعة من الشباب إلى تبنّي قناعة جديدة مفادها أن التغيير يجب أن يأتي من داخل النظام السياسي، عبر التنظيم والمنافسة، لا عبر الاحتجاج فقط. هذا التحوّل يعكس نضجاً سياسياً واضحاً ويعيد تعريف دور الشباب كفاعل سياسي لا مجرد كتلة احتجاجية.


فأسماء المرشحين تكشف عن واقع جديد: 40% من المرشحين تحت سن الأربعين، و15% دون الخامسة والثلاثين. وربما يكون لهذه الدماء الجديدة تأثير فعلي في تفكيك شبكات النفوذ الحزبي داخل البرلمان والدولة، لكنهم سيواجهون طريقاً طويلاً في ظل "شيخوخة" الطبقة السياسية التي لا تزال تتحكم بقواعد اللعبة.


في انتخابات هذا العام، لن يكون الشباب مجرد جمهور انتخابي، بل هم مرشحون ومؤثرون في المشهد، ولو بعد حين.


الأكثر قراءة

العالم العربي 11/6/2025 2:49:00 PM
يقاطع التيار الصدري، أحد أكبر التيارات الشيعية في البلاد، الانتخابات ما يجعل المشهد السياسي أمام احتمالات جديدة لتوازن القوى داخل المكونات الثلاثة: الشيعية والسنّية والكردية.
العالم العربي 11/7/2025 6:00:00 AM
مهمة اختيار رئيس الوزراء المقبل ستكون شديدة التعقيد في ظل استمرار الانقسام داخل البيت الشيعي.
العالم العربي 11/7/2025 6:00:00 AM
معركة الصناديق التي ستُفتح الثلاثاء ستفتح بدورها معركة أوسع وأشمل بعد تبيان النتائج.
العالم العربي 11/7/2025 3:10:00 AM
مواكبةً لهذه الانتخابات المفصلية في تاريخ العراق، تفتح "النهار" ملفاً عنوانه "العراق ينتخب: صراع الولاية الثانية"، تقدم فيه قراءة استشرافية لما هو متوقع في دولة تريدها طهران دائماً حديقة خلفية، وتريدها واشنطن أبداً رأس حربة.