بعد الانضمام إلى التّحالف... دمشق أمام اختبار المقاتلين الأجانب والكيانات المصنّفة

المشرق-العربي 10-11-2025 | 17:00

بعد الانضمام إلى التّحالف... دمشق أمام اختبار المقاتلين الأجانب والكيانات المصنّفة

كيف ستوازن سوريا بين التزاماتها الدولية وحساسياتها الداخلية؟ 
بعد الانضمام إلى التّحالف... دمشق أمام اختبار المقاتلين الأجانب والكيانات المصنّفة
الرئيس السوري أحمد الشرع في مقر الأمم المتحدة بمدينة نيويورك. (أ ف ب)
Smaller Bigger

يمثّل انضمام سوريا إلى التحالف الدولي ضد "داعش" نقطة تحول في المشهدين السياسي والأمني، ليس لأنه يعيد وصل دمشق بالعالم بعد سنوات من العزلة فحسب، بل لأنه يدمج مؤسساتها الأمنية والعسكرية في منظومة عمل دولية قائمة على الشفافية والمساءلة. فالمشاركة لا تقتصر على بيان نيات، بل تشكّل اختباراً عملياً لدولة تسعى إلى إعادة بناء أدواتها في بيئة متشابكة. وبينما تقرأ الخطوة على نطاق واسع كانتفراجة ديبلوماسية، فإنها في الوقت نفسه تفتح ملفات شائكة، في مقدمها ملف المقاتلين الأجانب والكيانات والأفراد المرتبطين بالتنظيمات المتطرفة.

 

قرار مجلس الأمن 2799، الذي شطب اسمي الرئيس أحمد الشرع ووزير الداخلية أنس خطاب من القوائم، تضمّن نصاً يرحّب بالتزامات الجمهورية العربية السورية، بما في ذلك مكافحة الإرهاب والمقاتلين الأجانب وتنظيمي "داعش" و"القاعدة"، مع التشديد على توقع التزام دمشق بهذه التعهدات. وبذلك ينتقل العبء من التعهد السياسي إلى التنفيذ العملي الذي لا يقتصر على ضبط أمني داخل الحدود، بل يشمل كيفية التعامل مع كيانات وأفراد كانت لهم أدوار متباينة خلال الحرب، ولا سيّما أن بعضهم انخرط لاحقاً في أطر مدنية أو عسكرية.

 

 

تتوزع الكيانات والأفراد المدرجون على لوائح الإرهاب في سوريا إلى فئات عدة، الجزء الأكبر منها مرتبط بتنظيم “داعش” الذي عادت السلطات السورية لاستهدافه بعمليات مركزة في مختلف المحافظات. وفي هذا السياق، كشفت وكالة "رويترز" أن السلطات أحبطت خلال الأشهر الماضية محاولتين منفصلتين لتنظيم "داعش" لاغتيال الشرع، ما يضفي بعداً شخصياً وسياسياً على انخراط دمشق في التحالف الدولي.

 

قبل ذلك، توقّع الناطق باسم الداخلية السورية أن يستغلّ "داعش" انضمام سوريا إلى التحالف ليشن حملة تكفير واستقطاب في صفوف المتشددين، مستفيداً من تراجع "هيئة تحرير الشام" عن فتاوى سابقة كانت تحرّم القتال ضمن التحالف. ومن هنا، يبدو تسريب خبر "رويترز" في هذا التوقيت مؤشراً على طبيعة التصادم المحتمل بين طرف يسعى لاستعادة شرعيته الجهادية وطرف يحاول طي صفحة الماضي والانطلاق نحو مرحلة جديدة.

 

مروحيات للجيش السوري تحلّق فوق داريا بالقرب من مطار المزة في دمشق. (أ ف ب)
مروحيات للجيش السوري تحلّق فوق داريا بالقرب من مطار المزة في دمشق. (أ ف ب)

 

ولا يقتصر المشهد على خطر "داعش"، فهناك كيانات أخرى كانت على خلاف مفتوح مع "هيئة تحرير الشام"، ما يجعل التعامل معها أكثر سهولة، مثل "حراس الدين" و"جنود الشام" وجزء من "جند الأقصى"، إضافة إلى الشبكة التي يقودها الفرنسي عمر ديابي والمعروفة باسم "الغرباء"، والتي داهمتها قوات الأمن قبل أسبوع في ريف إدلب.

 

لكن التحدي الأصعب يبقى في التعامل مع التنظيمات التي كانت قريبة من "هيئة تحرير الشام" أو منضوية تحت رايتها في مراحل سابقة، مثل "الحزب الإسلامي التركستاني" و"كتيبة الإمام البخاري" و"أجناد القوقاز" و"كتيبة التوحيد والجهاد"، وهي الفصائل التي تشكّل معضلة لأي خطة لمكافحة الإرهاب تتجاوز التنسيق النظري.
وتتداخل الصعوبات هنا بعوامل عدة، أبرزها أن بعض هذه الجماعات يضم مقاتلين أجانب دُمجوا خلال الأشهر الأخيرة في تشكيلات تابعة لوزارة الدفاع، ما يجعل التعامل معهم مسألة دقيقة تتعلق بالانضباط العسكري والسيادة في آن معاً. كما أن بعض القيادات السابقة يشغل اليوم مواقع في مؤسسات مدنية، مثل بسام الحصري (أبو أحمد أخلاق)، مدير أوقاف السويداء الذي ظهر في مقطع مصور يهاجم فيه الطوائف والأقليات، في مشهد يعكس تداخلاً واضحاً بين الماضي الجهادي والوظيفة العامة.
يزيد من تعقيد هذه الملفات أن تعريف "الكيان المصنف" - ومن بينها "هيئة تحرير الشام" - لا يوضح بالضرورة مصير أفراده. فهل يعني إدراج جماعة على قائمة الإرهاب أن جميع أعضائها مشمولون تلقائياً بالعقوبات؟ أم أن الأمر يدخل في دائرة التفاوض السياسي بين دمشق والعواصم المعنية؟
الأسئلة تبقى مفتوحة، خصوصاً بعدما نفذت القوات الأميركية في الأشهر الأخيرة سلسلة ضربات استهدفت شخصيات غير مدرجة على القوائم لكنها تنتمي إلى تنظيمات مصنفة. وهو ما يخلق منطقة رمادية بين السياسة والقانون، ويجعل تطبيق الالتزامات الجديدة عملية محكومة بالمقايضة والمواءمة أكثر من الانصياع الحرفي للنصوص.
القانون الدولي لا يقدّم إجابة قاطعة، فإدراج جماعة على قائمة الإرهاب لا يعني بالضرورة أن جميع أعضائها مشمولون بالعقوبات، إذ تطبق التدابير الأممية على الأفراد والكيانات المدرجة بالاسم. بذلك يفتح الباب أمام منطقة رمادية يصبح فيها التفريق بين المسؤولية الفردية والسلوك المؤسسي أمراً جوهرياً، وتتحوّل الملاحقة إلى عملية تفاوض سياسي بقدر ما هي إجراء قانوني.
التجارب الدولية السابقة، من العراق إلى أفغانستان، أظهرت أن الانضمام إلى التحالف الدولي لا يكفي لضبط المشهد، بل يتطلب آليات محلية واضحة للتعامل مع المقاتلين الأجانب، وإجراءات قضائية أو عسكرية تضمن عدم عودتهم إلى العمل المسلّح تحت مسميات جديدة. وفي الحالة السورية، يزداد التعقيد لأن البنية الأمنية والسياسية والاجتماعية متداخلة إلى حد يصعب معه رسم خطوط فاصلة بين الماضي والحاضر.
وبحسب البيانات الأممية، تضمّ لوائح لجنة الجزاءات نحو 65 كياناً وقرابة 300 فرد على صلة مباشرة بالساحة السورية، معظمهم مرتبط بـ"داعش"، فيما اختفت أسماء أخرى مع مقتل قادتها أو اندماجها في تشكيلات مختلفة. أما بالنسبة للأفراد، فتقدر مصادر متابعة أن ما بين 250 و300 شخص كانوا نشطين في سوريا بين عامي 2014 و2020، قتل أغلبهم في الغارات أو العمليات الميدانية، بينما انخرط الباقون في وحدات رسمية أو تحولوا إلى مقاتلين محليين.
بهذه الخلفية، تدخل سوريا اليوم مرحلة جديدة تقاس فيها النيات بالأفعال لا بالتصريحات. فبينما يمنحها الانضمام إلى التحالف الدولي غطاءً سياسياً واستراتيجياً لمواجهة الجماعات المتطرفة، يضعها أيضاً أمام اختبار حقيقي: كيف ستوازن بين التزاماتها الدولية وحساسياتها الداخلية؟ وكيف ستتعامل مع الملفات الرمادية التي تتقاطع فيها السياسة بالأمن؟
ما يبدو مؤكداً أن الطريق نحو الاستقرار لن يُرسم في غرف التفاوض فقط، بل في قدرة دمشق على تحويل تعقيدات الحرب إلى تجربة ضبط واقعية لا تقصي أحداً، لكنها أيضاً لا تترك فراغاً يعود منه العنف باسم جديد.

العلامات الدالة

الأكثر قراءة

العالم العربي 11/6/2025 2:49:00 PM
يقاطع التيار الصدري، أحد أكبر التيارات الشيعية في البلاد، الانتخابات ما يجعل المشهد السياسي أمام احتمالات جديدة لتوازن القوى داخل المكونات الثلاثة: الشيعية والسنّية والكردية.
العالم العربي 11/7/2025 6:00:00 AM
مهمة اختيار رئيس الوزراء المقبل ستكون شديدة التعقيد في ظل استمرار الانقسام داخل البيت الشيعي.
العالم العربي 11/7/2025 6:00:00 AM
معركة الصناديق التي ستُفتح الثلاثاء ستفتح بدورها معركة أوسع وأشمل بعد تبيان النتائج.
العالم العربي 11/7/2025 3:10:00 AM
مواكبةً لهذه الانتخابات المفصلية في تاريخ العراق، تفتح "النهار" ملفاً عنوانه "العراق ينتخب: صراع الولاية الثانية"، تقدم فيه قراءة استشرافية لما هو متوقع في دولة تريدها طهران دائماً حديقة خلفية، وتريدها واشنطن أبداً رأس حربة.