من الجدار إلى الشيفرة... إسرائيل تبتكر فصلاً عنصرياً جديداً في القدس

المشرق-العربي 12-11-2025 | 05:58

من الجدار إلى الشيفرة... إسرائيل تبتكر فصلاً عنصرياً جديداً في القدس

لم يقتصر الأمر على "فصل عنصري رقمي" عبر إصدار بطاقات ممغنطة وتصاريح مرور وإجراءات أمنية موقتة، بل تحوّل إلى إعادة رسم للحدود الميدانية على الأرض.
من الجدار إلى الشيفرة... إسرائيل تبتكر فصلاً عنصرياً جديداً في القدس
جانب من جدار الفصل في الدقس. (وكالات)
Smaller Bigger

حوّلت السلطات الإسرائيلية قريتي النبي صموئيل وبيت إكسا وحيّ الخلايلة في قرية الجيب، الواقعة شمال غرب القدس، إلى ما تصفه بـ"خط التماس"، في المنطقة القريبة من حي راموت الاستيطاني ومستوطنتي جيفعات زئيف وجيفعون. ووجدت القرى الفلسطينية نفسها فجأة خارج السجل الإداري الفلسطيني وتحت السيطرة الإسرائيلية المباشرة.
لم يعد الأمر يقتصر على "فصل عنصري رقمي" عبر إصدار بطاقات ممغنطة وتصاريح مرور وإجراءات أمنية موقتة، بل تحوّل إلى إعادة رسم للحدود الميدانية على الأرض، في مسار يعكس تداخلاً واضحاً بين القرارات العسكرية والسياسات الاستيطانية التي تستهدف إعادة تشكيل المشهد الديموغرافي والسياسي في محيط القدس.
هذه الخطوة ليست معزولة، بل تأتي استكمالاً لمشروع "القدس الكبرى" الهادف إلى تفريغ المدينة ومحيطها من سكانها الفلسطينيين، وتكريس الطابع الاستيطاني اليهودي قرب الخطوط التي رسمتها إسرائيل عام 1967، والتي تشكّل جزءاً من سياسة الضمّ الإداري للمناطق وعزل السكان في "غيتوات" مغلقة.
فعلياً، بدأت السلطات الإسرائيلية بإصدار البطاقات الممغنطة وتصاريح الدخول للسكان في أيلول/ سبتمبر الماضي، وكان من المقرر تفعيلها خلال الأسبوع الأول من تشرين الثاني/ نوفمبر، لكنّ أموراً لوجستية حالت دون ذلك، فتمّ تأجيل تنفيذها رسمياً.
في السياق نفسه، أكدت وزيرة المواصلات الإسرائيلية ميري ريغيف لـ"القناة 12" المضي قدماً في خطوات الضمّ الفعلي للضفة الغربية، قائلة: "وزارتي تمضي نحو تنفيذ خطوات ضمّ فعلي على أرض الواقع. في نهاية المطاف ستكون هناك سيادة إسرائيلية، والإدارة الأميركية تدرك أنه لا توجد طريقة أخرى. نحن نمارس السيادة الفعلية في الضفة، ويمكن رؤية ذلك في الطرق والإنارة التي نبنيها للمستوطنين هناك".
أما حياة الفلسطينيين في المنطقة، فهي بعيدة كل البعد عن أن تكون طبيعية. فمنذ بناء جدار الفصل العنصري عام 2002 وإقامة الحواجز الدائمة، يعيش السكان في عزلة شبه تامة عن القدس، وسط واقع قاتم ومستقبل مجهول.

 

جدار الفصل في القدس. (النهار)
جدار الفصل في القدس. (النهار)

 

القرية الأسيرة
تقع قرية النبي صموئيل شمال القدس على قمة جبل يرتفع 890 متراً فوق سطح البحر، وتبعد كيلومتراً واحداً عن مستوطنة راموت. بجوارها موقع أثري يضمّ مسجداً وقبراً يُنسب إلى النبي صموئيل، وقد أعلنت السلطات الإسرائيلية المنطقة "حديقة قومية بحجة حماية الآثار والغطاء النباتي"، لكنها تستخدم هذه الذريعة لفرض سيطرتها ومنع الفلسطينيين من البناء أو التوسع.
تحيط بالقرية من الشمال الشرقي قرية الجيب، ومن الشمال الغربي مستوطنتا جفعات زئيف وجيفعون، ومن الغرب بلدة بيت إكسا. ويتيح موقعها الاستراتيجي مراقبة الطرق المؤدية إلى الساحل، ما جعلها موقعاً عسكرياً على مرّ التاريخ.
حتى عام 1967، كان يعيش فيها أكثر من ألف شخص، لكنّ معظمهم هُجّروا خلال الحرب. وفي عام 1971، دمّر الجيش الإسرائيلي القرية وأجلى سكانها إلى منطقة مجاورة، حيث يسكن اليوم نحو 300 إلى 350 شخصاً، لا يحمل سوى 5% منهم بطاقات هوية مقدسية.
تمكنتُ من دخول القرية عبر الطريق الفاصل بينها وبين القدس بصفتي حاملة هوية مقدسية، فيما يُمنع سكانها من الاقتراب لأنهم يحملون هويات فلسطينية. في القرية الهادئة التي تكشف جمال القدس، رفض كثيرون الحديث بسبب حساسية الوضع السياسي والأمني.
تلمس في شوارعها آثار الظلم المتراكم: بنية تحتية معدومة، منع تصاريح البناء، غياب الخدمات الطبية، وانقطاع شبه تام عن المحيط.
وبحسب المجلس المحلي، الذي يتواصل مع الارتباط الفلسطيني، طُلب من السكان استلام بطاقاتهم الممغنطة الجديدة عبر تطبيق "المنسق" الإسرائيلي، لاستخدامها عند المرور عبر حاجز الجيب، المنفذ الوحيد المؤدي إلى القرية.
تقول نوال بركات، وهي معلمة في مدرسة القرية، لـ"النهار"، إن "القرار مخيف، لا نعلم ما ينتظرنا، فالبطاقات فعّالة لعام واحد ولا تسمح بدخول القدس. لا أحد يملك تفسيراً واضحاً، وكأنهم يحوّلوننا إلى سكان بلا هوية، بلا أرض. إنها محاولة تهجير جديدة، لكننا باقون، حتى لو لم يبقَ لنا سوى الخيمة".
دلال عبيد، وهي زميلة نوال، تقول بدورها لـ"النهار" إن "الجنود يضعون عراقيل عند دخولنا وخروجنا من القرية. الطلاب يُفتّشون يومياً، ويُمنع علينا إدخال المشتريات بحرية. يتحججون دوماً بالحاجة إلى تنسيق، ولا يمكننا دعوة أصدقائنا إلى مناسباتنا. منذ بدء الحرب، مُنع دخول أي شخص من خارج القرية وتوقفت التصاريح".
أما حيّ الخلايلة المجاور، فيقطنه نحو 700 فلسطيني. وقد عزله الجدار عام 2004 عن قرية الجيب ضمن 6 آلاف دونم صودرت من أراضيها. ويضطر السكان لاجتياز الحاجز العسكري يومياً للدخول إلى الحي أو قرية النبي صموئيل، وسط مضايقات مستمرة.

 

القدس كما بدت من قرية النبي صموئيل. (النهار)
القدس كما بدت من قرية النبي صموئيل. (النهار)

 

القرية المغلقة
يعيش في قرية بيت إكسا نحو ألفي فلسطيني على مساحة 650 دونماً فقط، بعدما صودرت 7 آلاف دونم لبناء المستوطنات، وصُنّفت 6500 دونم أخرى كمناطق "ج"، يُمنع البناء فيها. تبلغ مساحة القرية التاريخية نحو 14,221 دونماً، لكنّ النمو السكاني محاصر.
عام 2013، أقامت سلطات الاحتلال حاجزاً عسكرياً على مدخل القرية، لا يُسمح بدخوله إلا لمن يظهر عنوان القرية على بطاقة هويته، وبشرط أن يحمل تصريح دخول عبر التطبيق الإسرائيلي.
حاولتُ دخول القرية عبر الحاجز، لكن الجنود منعونا رغم وجود موعد مسبق مع المجلس البلدي، الذي بدوره لم يتمكن من تأمين تصريح. وشدد الجيش الإسرائيلي أخيراً على منع دخول الأجانب من حملة الجوازات الأميركية والأوروبية، إضافة إلى الفلسطينيين من غير السكان.
وعليه، اضطررنا إلى لقاء عضو المجلس البلدي عماد عبيد في الشارع المحاذي للحاجز.
يقول عبيد لـ"النهار" إن البطاقة الممغنطة التي تسلّمها السكان كُتب عليها "مبيت في منطقة يهودا والسامرة – منطقة تماس". ويضيف: "لا إجابات واضحة حتى الآن، ومصيرنا مجهول. المعلومات المتاحة أربكت الناس وأثارت مخاوفهم، خصوصاً الطلاب والعمال الذين يغادرون القرية يومياً ويعودون إليها".
ويردف: "لدينا بين 60 و70 شخصاً ممنوعين أمنياً من الحصول على التصاريح. تواصلنا مع مؤسسات حقوقية ومحامين لحل القضية، لكن لا جديد حتى الآن. تخيلي كيف سيعيش هؤلاء إن لم يتمكنوا من دخول منازلهم أو مغادرتها بسبب هذا المنع!".

الأكثر قراءة

العالم العربي 11/7/2025 6:00:00 AM
همّ واشنطن الأساسي لا ينصب على مكافحة الفساد الذي تتهم به الأطراف الانتخابية بقدر ما يعنيها الضغط على السلطة لتفكيك الميليشيات الموالية لإيران.
اسرائيليات 11/11/2025 1:30:00 PM
يبحث الجيش الإسرائيلي عن بديل لتولي ملف الإعلام باللغة العربية...
الولايات المتحدة 11/11/2025 9:25:00 AM
وفقاً لتقرير للشرطة، عثرت والدة جوناثان ويليت على جثته مقطوعة الرأس.
لبنان 11/10/2025 11:53:00 PM
التحقيق جارٍ حالياً لاستكمال الإجراءات القانونية بناءً على إشارة النيابة العامة الاستئنافية في بيروت.