سوريا على أعتاب التحالف الدولي: زيارة الشرع تختبر توازنات الحرب على الإرهاب
يتحرّك المشهد السوري نحو تحوّلات لافتة مع وصول الرئيس أحمد الشرع إلى واشنطن، في زيارة تُعدّ الأولى من نوعها لرئيس سوري للبيت الأبيض منذ استقلال البلاد عام 1946، حيث من المقرر أن يلتقي الرئيس الأميركي دونالد ترامب اليوم الاثنين.
الزيارة التي تأتي بعد رفع اسم الشرع من قوائم الإرهاب، تمثّل تتويجاً لمسار طويل من إعادة التموضع السوري على خريطة التحالفات الدولية، وتجسّد في الوقت نفسه تحوّلاً في المقاربة الغربية تجاه دمشق، من العزل والمقاطعة إلى محاولة إدماجها في منظومة الاستقرار ومحاربة الإرهاب.
ومن المرجّح أن تتوّج الزيارة بتوقيع اتفاق لانضمام سوريا رسمياً إلى التحالف الدولي ضد تنظيم "داعش"، وهو التحالف الذي تشكّل عام 2014 بقيادة واشنطن ويضمّ 89 دولة. ولا شكّ في أن هذا الانضمام سيشكّل منعطفاً في علاقة دمشق بالعالم، إذ يربط بين الاعتراف بشرعية السلطة السورية دولياً، والتزاماتها الأمنية في مكافحة الإرهاب، بما يتيح لها استعادة موقع فاعل بعد أكثر من عقد من الحرب والعزلة.
وبالتوازي مع الاستعدادات السياسية، شهد الداخل السوري حملة أمنية واسعة أعلنتها وزارة الداخلية في بيان رسمي يوم الجمعة، تحدّثت فيه عن "ضبط كتيبة انتحاريين من تنظيم داعش" في عدد من المحافظات، في خطوة يُراد منها إظهار جدّية الدولة في تنفيذ التزاماتها الميدانية ضمن أي اتفاق محتمل مع التحالف الدولي.
ويرى الخبير في شؤون الإرهاب منير أديب، في حديث مع "النهار"، أن انضمام سوريا إلى التحالف الدولي "يمثّل تحوّلاً نوعياً في المشهد الأمني، ويعكس موقفاً سياسياً واضحاً من القيادة السورية ضد التنظيم وخلاياه". ويضيف أن لهذه الخطوة "انعكاساً مباشراً على قدرات التنظيم في المنطقة، خاصة أن الرقة – أولى عواصم "داعش" – تقع على الأراضي السورية، كما أن كل زعماء التنظيم قُتلوا هناك، وهو ما يجعل سوريا رقماً مهماً في معادلة المواجهة". ويوضح أديب أن التعاون الأمني والاستخباراتي بين دمشق وواشنطن "سيؤدي إلى القضاء على الخلايا النشطة والخاملة معاً، ويمنع التنظيم من استعادة نشاطه في الشرق الأوسط".
وانضمام سوريا إلى التحالف سيجعلها العضو التسعين في الائتلاف، ومن شأن هذه الخطوة أن تعزّز شرعية الحكومة دولياً وتفتح الباب أمام تخفيف العقوبات تدريجياً، فضلاً عن فوائد أمنية واقتصادية مشابهة لتجربة العراق في مرحلة ما بعد "داعش"، كما ورد في تقرير لمركز "جسور" للدراسات.
ويرى مراقبون سوريون أن الخطوة تعزّز موقع الدولة السورية كمحور أساسي في معادلة الاستقرار الإقليمي، وتفتح الباب أمام تراجع الأدوار الموازية للقوى غير الحكومية، بما فيها الفصائل الانفصالية أو العابرة للحدود. وبحسب صحيفة "الوطن" المقرّبة من السلطات الجديدة، فإن التطور المرتقب "يكرّس الجيش العربي السوري شريكاً رئيسياً في مواجهة الإرهاب، ضمن مقاربة تقوم على احترام السيادة والتنسيق الإقليمي"، وأن هذه الشراكة "ستضع حداً للمشروعات الانفصالية وتعيد توحيد الجغرافيا السورية تحت مؤسسات الدولة".

ويؤكد أديب أن العملية التي نفذتها وزارة الداخلية "تندرج ضمن نهج استباقي يهدف إلى تفكيك شبكات "داعش" قبل أي تصعيد محتمل، خصوصاً أن التنظيم يسعى لإثبات حضوره في مواجهة الانضمام السوري للتحالف". ويرى أن هذا التعاون الأمني "سيمنح التحالف دفعة جديدة من الفاعلية، ويحوّل سوريا من ساحة للصراع إلى طرف في منظومة الردع ضد الإرهاب"، لكنه يحذّر في الوقت ذاته من أن "خلايا التنظيم ستستنفر لإثبات قدرتها على المواجهة، ما يستدعي جهداً استباقياً مستمراً من الأجهزة الأمنية السورية".
ومع أن مسار الانضمام يبدو مدفوعاً بمصالح متبادلة – إذ تمنح الخطوة واشنطن غطاءً قانونياً لاستمرار وجود قواتها في سوريا، وتؤمّن لدمشق اعترافاً سياسياً طال انتظاره – إلا أن التنفيذ الفعلي سيظلّ مرهوناً بقدرة الطرفين على تجاوز إرث الشكوك المتبادلة، والتعامل بواقعية مع متطلبات المرحلة المقبلة.
في المحصلة، إن انضمام سوريا إلى التحالف الدولي ضد "داعش"، إذا ما ثُبّت، سيكون محطة فارقة في مسار الدولة بعد سنوات الحرب والعزلة. فهو يفتح الباب أمام إعادة صياغة موقع دمشق في النظام الدولي، ويمنحها فرصة لاستعادة دورها كفاعل في قضايا الأمن الإقليمي. كما أنه يضعها أمام اختبار جديد: القدرة على تحويل هذا الانفتاح إلى مسار مستدام يعزّز الاستقرار الداخلي، ويعيد بناء الثقة مع المجتمع الدولي، ويؤسّس لمرحلة مختلفة عنوانها التعاون بدل المواجهة، والشراكة بدل العزلة.
نبض