طريق مقطوعة وذاكرة مفتوحة تعيدان التوتّر إلى غربي حمص
عاد غربي حمص إلى واجهة التوتر مجدّداً منذ إغلاق طريق الدبّاغة، الفاصلة بين قلعة الحصن وبلدة عناز، يوم الأربعاء. جاء القرار من دون توضيح رسمي، وبسواتر إسمنتية، بقي على أحدها علمٌ قديم ارتبط في ذاكرة أهالي القلعة بسنوات الحصار والاعتقالات. في المقابل، قدّمته أوساط محلية في الوادي بوصفه إجراءً موقتاً للوقاية والتهدئة، لكنه استُشعر كعقوبة جماعية قد تعيد فتح خطوط الفصل القديمة.
في اليومين التاليين، أُعلن عن تظاهرة احتجاجية لأهالي القلعة، يوم الجمعة، عند الساعة العاشرة صباحاً. يتزامن الموعد مع أربعين الشابين وسام وشفيق منصور من عناز، اللذين قُتلا برصاص مسلحين قيل إنهم سلكوا طريق الدبّاغة للفرار، وفق رواياتٍ محلية.
هذا التزامن قُرئ في الوادي بوصفه إشارةً مستفزّة لا مصادفة، وذهب بعضهم إلى تحميل منظّمي التظاهرة المسؤولية بشكل مسبق عن أيّ احتكاك قد يقع في توقيت الصلاة والعزاء. ووسط تبادل الردود، تحوّل الإغلاق من إجراء آنيّ إلى اصطفاف يستدعي ذاكرة الحصار ويزيد قابلية الاشتعال في يومٍ شديد الحساسية رمزياً.
واعتبر المحامي ميشيل شماس، المقيم في ألمانيا، أنّ إغلاق الطريق من قِبل السلطات السورية "خطوة خطيرة تستدعي ذاكرة الحصار"، مشيراً إلى أنّ "الحل لا يكون بالعزل، بل بتحقيقٍ جدّي ومحاسبة وفق العدالة الانتقالية، ومصالحة مجتمعية تعيد الثقة والتواصل بين الأهالي، مع إبقاء الطرق مفتوحةً تحت رقابة أمنية شفافة ومشتركة".
في المقابل، قال الصحافي خالد الحصني إنّ قرار إغلاق عدد من الطرق بين الوادي وقلعة الحصن جاء "بناءً على طلب بعض الجهات في منطقة الوادي"، مذكّراً بأنّ هذه المنافذ حيويةٌ لسكان القلعة ومزارعيها، ومتسائلاً صراحةً عن أسباب وضع الحواجز الإسمنتية وإغلاق طرقٍ يحتاجها الأهالي في حياتهم اليومية.

بين هذين الخطّين يتأرجح المزاج العام: نقدٌ حقوقيّ للإغلاق من زاوية السلم الأهلي، واعتراضٌ محليّ يسلّط الضوء على كلفته الخدمية والاقتصادية، فيما يظلّ الغائب الأبرز توضيحٌ رسميّ يضبط الشائعات ويحدّد طبيعة القرار وحدوده.
وسط هذا المشهد، فضّل المهندس زياد خضر كنعان اتخاذ خطوةٍ مؤسسية، فوجّه كتاباً إلى نائب منطقة تلكلخ ومديرها ومسؤولين إداريين وأمنيين ومرجعية دينية، طالباً توضيح أسباب الإغلاق ومدّته، ومحذّراً من "تحوّل الإجراء الموقت إلى جدار فصل"، ومنبّهاً إلى دلالة بقاء العلم القديم على الساتر الإسمنتي بالنسبة إلى أهالي القلعة. وعلى خلاف لغة الاتهام، قدّم البلاغُ بدائل واضحة: "مصارحة ومصالحة وعدالة انتقالية وحلول مستدامة تحفظ روابط الجيرة والسلم الأهلي، بما يحوّل الجدل من سجال صفحات إلى مطالب محدّدة قابلة للبحث والرد".
وقد تباينت المواقف الأهلية من الإغلاق، فهناك من يرفضه ويعتبره عقوبةً جماعية ويدعو إلى رقابة مشتركة وعدالة انتقالية، وآخرون يفضّلون التهدئة والحوار المباشر وتحويل الخلافات إلى مطالب عملية، بينما يرى البعض أنّ الإغلاق إجراءٌ وقائي بشرط أن يكون محدوداً وواضح الهدف والمدة مع ضماناتٍ ضد استمراره. أما الحراك فهو سلمي ومحدّد زمنياً.
ورأى مراقبون محلّيون أنّ الإغلاق، بصورته الراهنة، يكلّف الثقة أكثر مما يحميها، وأنّ ما يلزم، الآن، خطوات بسيطة وواضحة: توضيح رسميّ موجز يبيّن من قرّر الإغلاق، ولماذا، ولأيّ مدّة؟ ونزعُ الرموز المستفزّة عن السواتر لتجنّب رسائل الماضي، وتنظيم تنسيق محدود ومعلن يراعي أربعين الضحيتين ويضمن حقّ الاحتجاج السلمي، وفتح قناة تواصل أهلية مباشرة بين القلعة والوادي لتبريد الخطاب واحتواء أيّ احتكاك؛ وما عدا ذلك سيبقى الخلاف يتغذّى من الشكوك لا من الوقائع.
نبض