"النفط مقابل الماء"... اتفاق المياه بين بغداد وأنقرة يثير غضباً عراقياً

المشرق-العربي 06-11-2025 | 06:01

"النفط مقابل الماء"... اتفاق المياه بين بغداد وأنقرة يثير غضباً عراقياً

في ظل أزمة مائية غير مسبوقة تضرب العراق، وقّعت بغداد وأنقرة اتفاقاً مائياً يهدف إلى تنظيم إدارة الموارد المشتركة وتحسين البنية التحتية. وأثارت الاتفاقية غضباً واسعاً لدى الشعب العراقي وسط دعوات لمقاطعة البضائع التركية فيما أثارت مخاوف من تعميق الارتهان الاقتصادي والمائي لتركيا.
"النفط مقابل الماء"... اتفاق المياه بين بغداد وأنقرة يثير غضباً عراقياً
توقيع اتفاقية التعاون في مجال المياه في بغداد بين العراق وتركيا، (ا ف ب).
Smaller Bigger

أصبحت  أزمة المياه اليوم محور الصراعات في الشرق الأوسط، متجاوزة في أهميتها النفط الذي شكّل لعقود أساس النفوذ الاقتصادي والسياسي. فمع تفاقم الجفاف وتراجع الموارد، تحولت المياه إلى ورقة ضغط استراتيجية لدول المنطقة، وفي مقدمتها العراق.

في ظل أزمة مائية غير مسبوقة تضرب العراق، وقّعت بغداد وأنقرة اتفاقاً مائياً يهدف إلى تنظيم إدارة الموارد المشتركة وتحسين البنية التحتية. وأثارت الاتفاقية غضباً واسعاً في الأوساط العراقية وسط دعوات لمقاطعة البضائع التركية، فيما أثارت مخاوف من تعميق الارتهان الاقتصادي والمائي لتركيا.

وتنص الاتفاقية، التي وقعها وزير الخارجية العراقي فؤاد حسين ونظيره التركي هاكان فيدان، بحضور رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، على تنفيذ مشاريع مائية واسعة. وسيجري تمويل المشاريع عبر مبيعات النفط العراقي، وستتولى تنفيذها الشركات التركية حصراً، في صيغة وُصفت بأنها "نفط مقابل الماء". وتشمل المشاريع إنشاء سدود صغيرة ومتوسطة، وتبطين الأنهار، واستصلاح الأراضي الزراعية.

ولطالما توتّرت العلاقات بين تركيا والعراق بسبب خلافات تقاسم المياه. فبينما تتهم بغداد أنقرة بتقييد تدفق المياه من منابع نهري دجلة والفرات، تُصرّ تركيا على أن البنية التحتية للمياه في العراق قديمة وتُهدر الموارد.

ومع ذلك، تمثّل هذه الاتفاقية أول اتفاق ملموس بين العراق وتركيا منذ عقود لمعالجة نزاعهما طويل الأمد حول تقاسم المياه.

لكن خلف هذا الاتفاق تقرأ مصادر سياسية عراقية المشهد بقلقٍ، إذ يرى مراقبون أن العراق الغارق في أزمة جفاف غير مسبوقة بات أكثر ارتباطاً بدول الجوار، التي تتحكم بتدفق المياه والكهرباء وحتى بموازين الأمن الإقليمي، وسط ضغوط داخلية تطالب بحماية سيادته العراقية.

ووفقاً لوزارة الموارد المائية العراقية، يعتمد العراق على دول الجوار لتأمين نحو 70% من موارده المائية، نصفها تقريباً من تركيا. كما تراجعت واردات نهري دجلة والفرات إلى أقل من 30% من معدلاتها الطبيعية.

ويقول خبير الزراعة والموارد المائية في العراق تحسين الموسوي لـ"النهار": "خالفت هذه الاتفاقية الشروط القانونية لما نص عليه الدستور العراقي كون أن اتفاقيات المياه يجب أن تمرر على الأمن القومي ثم تعرض على مجلس النواب العراقي ويتم التصويت عليها، والكل يعلم أن عمر الحكومة قد انتهى والبرلمان العراقي معطل حالياً".

ويضيف: "الأهم من ذلك، تقوض هذه الاتفاقية حقوق العراق المائية. ثمة اتفاقيات وبروتوكولات ومعاهدات تعطي الحقوق الكاملة والاعتراف الكامل من الجانب التركي للحقوق العراقية في حوضي النهر".

ويتابع: "تجاوزت تركيا على حقوق العراق المائية من حيث إنشاء السدود والخزانات وقطع المياه بدون إخطار دول المصب، إلى أن وصلت الإطلاقات إلى حد ضعيف جداً وتسببت بتدهور بيئي وزراعي إلى أن وصل الحال إلى مياه الشرب". 

ويشير الى أن هناك "علامة استفهام حيال مسألة إعطاء النفط مقابل هذه المشاريع ما شكل محط امتعاض واعتراض من المواطن العراقي بصورة عامة". ويرى أن "هذه الاتفاقية هي تسليم كامل لإدارة الموارد المائية للجانب التركي، وهذا خطأ كبير كون هناك امكانيات عراقية موجودة وكوادر جيدة ذو خبرات عالية".  

ويلفت الموسوي إلى أن "هناك ضغطاً داخلياً نتيجة احتجاجات الفلاحين قبيل العملية الانتخابية، إضافة الى ذلك أزمة مياه الشرب ما جعل الجانب التركي يضيّق الخناق، فذهبت الحكومة العراقية مضطرة"، مؤكداً أن "هذا خطأ كبير جداً، الكل يعلم أن هذه هي بوادر حرب المياه التي يستخدمها الجانب التركي بالتعامل مع الدول المتشاطئة ".


الجفاف في العراق (وكالات)
الجفاف في العراق (وكالات)

 

وأثار الاتفاق مخاوف بشأن السيادة المائية العراقية، وبسط تركيا سيطرتها على حصص العراق من المياه، خاصة في ظل غياب أي ضمانات واضحة لبغداد بشأن حصص ثابتة من تدفق المياه. كما يتضمن الاتفاق توفير مياه إضافية للعراق من خلال تدفقات مائية تصل إلى نحو مليار متر مكعب في المرحلة الأولى، بهدف دعم الخزين المائي في نهري دجلة والفرات.

ويقول الخبير القانوني العراقي طارق المعموري لـ"النهار": "مشكلة قلة الاطلاقات المائية من تركيا لنهري دجلة والفرات مشكلة قديمة بالحقيقة. لم تتصدَّ الحكومات العراقية منذ عام 2003 ولحد الآن إلى إيجاد حل جذري لها". 

ويضيف: "يعاني العراق في كل موسم زراعي من شحة المياه، فيما قامت تركيا ببناء سدود كثيرة لخزن المياه ما أدى إلى قلة الإطلاق. هذه السنة تحديداً المشكلة كانت أكبر وأعمق، ومن ينظر إلى نهر دجلة الآن يراه شبه جاف أصلاً". 

ويشير المعموري إلى أن "هذه الاتفاقية أغضبت الشعب العراقي لأنه يعتقد أنها مجرد دعاية انتخابية على أساس أن هذه الحكومة قد نجحت في حل المشكلة مع تركيا، ولكن ما تضمنته الاتفاقية حسب ما ظهر للإعلام فيه شروط مجحفة، إذ يجب رفع التبادل التجاري بين العراق وتركيا إلى 30 ملياراً، وهو في الحقيقة أحادي الاتجاه، إضافة إلى قيام تركيا بالإشراف على معظم الأمور التي تخص المشاريع الإروائية وبناء بنى تحتية والإشراف والإدارة مقابل أموال. فالصفقة التي جرت بين العراق وتركيا هي صفقة مجحفة بحق العراق ولذلك أثارت غضباً واسعاً في البلاد".

بدوره، يرى الباحث السياسي والقانوني العراقي أمير الدعمي أن الاتفاق يمثل تفاهم إذعان لتركيا، إذ سلّم العراق بموجبه سيادته على ملف المياه لأنقرة من دون أن تلتزم الأخيرة بأي ضمانات واضحة بشأن الإطلاقات المائية.

ويقول الدعمي، لـ"النهار"، إن "العراق التزم في المقابل باستضافة المعارضة التركية (حزب العمال الكردستاني) على أراضيه، وبـرفع حجم التبادل التجاري إلى 30 مليار دولار سنوياً، إضافة إلى تمويل الاستثمارات التركية من الأموال العراقية، وزيادة صادرات النفط عبر ميناء جيهان التركي، فضلاً عن إشراك تركيا في مشروع "خط الحرير".

ويؤكد أن هذه التفاهمات جرت من دون أي التزامات مقابلة من تركيا تجاه العراق في ما يخص تحديد حصص المياه أو إدارة موارد نهري دجلة والفرات.

أمام تفاقم أزمة المياه وتزايد الاعتماد على دول الجوار، يظل مستقبل الأمن المائي في العراق رهناً بقدرة بغداد على تحقيق توازن بين مصالحها السياسية وحقوقها المائية، وضمان سيادتها على مواردها الحيوية بعيداً عن الضغوط الإقليمية المتصاعدة.

 
العلامات الدالة

الأكثر قراءة

المشرق-العربي 11/4/2025 6:56:00 PM
شقيق الضحية: "كان زوجها يمسك دبوسا ويغزها في فمها ولسانها كي لا تتمكن من تناول الطعام".
أوروبا 11/4/2025 7:39:00 PM
يبلغ من العمر 48 عاما ويعمل في شركة LNER منذ أكثر من 20 عاما.
اسرائيليات 11/5/2025 8:48:00 AM
وزير شؤون الشتات الإسرائيلي: انتخاب زهران ممداني عمدة لنيويورك حدث عالمي وليس أميركياً فقط
فوز زهران ممداني بمنصب عمدة مدينة نيويورك، ليصبح أول مسلم من جيل الألفية يتولى قيادة أكبر مدن الولايات المتحدة