الانتخابات العراقية في 2025... ما هي ملامح البرلمان السادس؟
تستعد الأوساط الشعبية والسياسية في العراق لخوض الانتخابات النيابية المرتقبة، والتي تجرى في 11 من الشهر الجاري . وتُعدّ هذه الانتخابات محطةً مفصلية، كون نتائجها ستحدد شكل الخريطة السياسية للسنوات الأربع المقبلة، في ظل احتدام الصراعات بين الأحزاب، سواء داخل المكونات نفسها أو في ما بينها (الشيعة – السنة – الأكراد).
ورغم استمرار العرف السياسي الذي تشكّل منذ عام 2003، والقائم على تقاسم الرئاسات الثلاث بين القوى الثلاث الرئيسية — رئاسة الجمهورية للأكراد، ورئاسة البرلمان للسنة، ورئاسة الوزراء للشيعة — إلا أن التساؤل المطروح حالياً يتمحور حول النتائج التي ستحققها هذه القوى في الانتخابات المقبلة، في ظل متغيرات داخلية وتحولات في موازين القوى.
القوى الشيعية... غياب الصدر وصعود السوداني
خلال انتخابات 2021، حصلت القوى الشيعية على نحو 187 مقعداً (من 329). لكن الانتخابات المقبلة قد تشهد تغييرات لافتة في ظل غياب "التيار الصدري" بزعامة مقتدى الصدر، الذي قرر مقاطعة العملية السياسية. وقد أحرز الصدر في الانتخابات الماضية 73 مقعداً، وهو رقم يصعب تعويضه بسهولة، خصوصاً في مقاعد بغداد، لكنه سرعان ما سحب نوابه الفائزين من البرلمان.
في المقابل، يبرز رئيس الوزراء الحالي محمد شياع السوداني كوجهٍ سياسي فاعل داخل المكون الشيعي، وقد بدأ يكتسب حضوراً مؤثراً يثير قلق بعض قادة الإطار التنسيقي، وعلى رأسهم رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي.
الرضا الشعبي على السوداني من المتوقع أنه ازداد، وبالتالي فإن الجماهير الشيعية المقاطعة، وبالتحديد أتباع الصدر، قد يتم تعويضهم ولو بشيء بسيط من خلال "الطبقة الرمادية"، عبر الذهاب إلى صناديق الانتخاب والإدلاء بأصواتهم لرئيس الوزراء الحالي.
ويُتوقع أن يحصل المكون الشيعي في المحافظات ذات الغالبية الشيعية — وهي: البصرة، ذي قار، بابل، النجف، كربلاء، واسط، ميسان، المثنى، والديوانية — على 124 مقعداً، وفقاً للتوزيع الجغرافي للمقاعد البرلمانية.
أما بغداد، التي ستكون "مركز الصراع الانتخابي" بين مختلف القوى السياسية خلال انتخابات 2025، فإن المكون الشيعي قد يفقد فيها نحو 26 مقعداً حصل عليها التيار الصدري في جانبي الكرخ والرصافة في انتخابات 2021، حسب نظام الدوائر المتعددة، الذي قسّم العراق إلى 83 دائرة انتخابية.

مقارنة تقريبية – مجالس المحافظات نموذجاً
نتائج مجالس المحافظات التي أُجريت قبل عامين، والتي قاطعها 8 ملايين ناخب بنسبة مشاركة بلغت 41%، بحسب أرقام رسمية أعلنتها المفوضية العليا للانتخابات، أي ما يعادل 6.6 ملايين ناخب من أصل 16.1 مليوناً يحق لهم التصويت، قد تعطي صورة أولية عن نتائج مجلس النواب، خصوصاً في العاصمة بغداد، إذ حصلت الكتل الشيعية على أكثر من نصف المقاعد، ما مهّد الطريق أمامها للحصول على منصب المحافظ.
وتتقاطع انتخابات مجلس النواب المقبلة مع انتخابات مجالس المحافظات التي أجريت في كانون الأول/ ديسمبر 2023 في أمرين: الأول هو أن قانون الانتخاب لم يتغيّر ولا يزال يعتمد على المحافظة دائرة انتخابية واحدة وفق نظام احتساب الأصوات "سانت ليغو" نفسه، والثاني هو غياب الصدر.
وباحتساب الكتلة التصويتية في بغداد، التي ذهبت إلى صناديق الاقتراع عام 2023 لتنتخب مجلس محافظة بغداد، إذ بلغت وقتها 795,054 ناخباً، وتوزعت بين أحزاب شيعية وسنية وأقليات، حصد الشيعة 467,428 صوتاً، فيما حصد السنة 327,626 صوتاً، ليتقاسما حينها 50 مقعداً ويتركا مقعدين للأقليات.
وحصل المكون الشيعي آنذاك على أكثر من نصف المقاعد، أي 28 من أصل 52 مقعداً، بعدما حصد "ائتلاف دولة القانون" 9 مقاعد، وتحالف "نبني" (يضم كتلة "بدر" بزعامة هادي العامري، وكتلة "صادقون" بزعامة الأمين العام لعصائب أهل الحق قيس الخزعلي وكتلاً شيعية أخرى) 9 مقاعد كذلك، وتحالف "قوى الدولة الوطنية" 5، وتحالف "ابشر يا عراق" برئاسة همام حمودي مقعداً واحداً، وكذلك مقعداً واحداً لـ"إشراقة كانون"، ومقعدين لتحالف "الأساس"، ومقعداً فقط لكتلة "أجيال" برئاسة النائب محمد الصيهود.
وبحسب المفوضية العليا المستقلة للانتخابات وقانون "سانت ليغو" المعدل، فإن عدد المقاعد المخصصة للعاصمة بغداد 71 مقعداً، وبالاعتماد على نتائج مجالس المحافظات نفسها، فإن القوى الشيعية مجتمعة ربما ستحصل على أكثر من نصف عدد المقاعد، أي بنحو 38–39 مقعداً.
وفي المحافظات ذات الغالبية السنية مثل ديالى، صلاح الدين، كركوك، ونينوى، سجلت القوى الشيعية حضوراً ملحوظاً في انتخابات مجالس المحافظات الأخيرة. فعلى سبيل المثال، حصل تحالف العقد الوطني بزعامة فالح الفياض على 4 مقاعد في نينوى من أصل 29، بينما نالت القوى الشيعية 6 مقاعد في ديالى من أصل 15، ومقعدين في صلاح الدين.
بمعنى أن المكون الشيعي حصل على نحو 15 مقعداً من 70 مقعداً مخصصة للمحافظات الأربع، وهي كل من كركوك، نينوى، صلاح الدين، وديالى.
أما عدد المقاعد المخصصة للمحافظات الأربع المذكورة في انتخابات مجلس النواب، فقد بلغ 73 مقعداً. وبالاعتماد على الأرقام نفسها، فإن المكون الشيعي من المتوقع أن يحصل على قرابة 15 مقعداً، اعتماداً على الكتلة التصويتية ذاتها في تلك المحافظات.
وبالعودة إلى كل المحافظات العراقية (عدا إقليم كردستان)، فمن المتوقع أن يحصل المكون الشيعي على قرابة 177 نائباً من أصل 329 نائباً في برلمان الدورة السادسة.

السنة.. بين المنافسة والتحشيد
الصراعات داخل المكون السني لا تختلف كثيراً عن نظيرتها لدى الشيعة، إلا أن الوضع قد يدور في معتركٍ أكثر صحية مما يجري مع بقية الشركاء، خصوصاً أنه يصب في مصلحة الكتل السياسية من خلال تحشيد الجماهير للمشاركة في الانتخابات، وذلك لسببين: الأول، هو التنافس السياسي، خصوصاً بين تحالف "تقدّم" برئاسة محمد الحلبوسي وتحالف "العزم" بقيادة مثنى السامرائي، وقد وصل الأمر إلى تبادل الاتهامات وكشف ملفات فساد خلال المؤتمرات الانتخابية، في محاولة من كل طرفٍ للتفوق على الآخر انتخابياً، في ما يشبه "التنافس على زعامة المكون".
أما السبب الثاني، فهو الرغبة في عدم تكرار تجربة انتخابات 2005، عندما قررت الجماهير السنية المقاطعة، وهو ما وصفه الحلبوسي بأنه خطأ دفع المكون السني ضريبته بأثمان باهظة، أبرزها المشاكل الأمنية، والتهجير، والنزوح. وأكد أن انتخابات 2025 لا تقل أهمية عن انتخابات 2005، لأنها ستؤسس لمسار سياسي يمتد لعشرين سنة مقبلة.
وفي ضوء هذه المعطيات، من المتوقع أن يحصل المكون السني في المحافظات الغربية والشمالية (الأنبار، ديالى، صلاح الدين، كركوك، ونينوى) على 58 مقعداً من أصل 88 مقعداً، بعدما ذهبت 15 مقعداً إلى المكون الشيعي، وتوزعت المقاعد المتبقية على المكونات الأخرى، من بينها الأكراد.
أما نقطة التحول المحتملة، فهي العاصمة بغداد، خصوصاً بعد ترشح الحلبوسي عن "تقدّم" ومحمود القيسي عن "العزم"، ما قد يساهم في رفع نسبة المشاركة.
وبحسب الأرقام المتوقعة، قد تحصل الأحزاب السنية على نحو 27 مقعداً في بغداد، بالاستناد إلى الكتلة التصويتية نفسها التي أفرزتها انتخابات مجالس المحافظات. وبالتالي، فإن مجموع المقاعد التي يُتوقع أن تحصل عليها الكتل السنية يراوح بين 88 و90 مقعداً، أي بزيادة تُقدّر بنحو 30 مقعداً مقارنة بانتخابات 2021، التي أفرزت 57 مقعداً للمكون السني.

الكرد.. أرقام تشابه الواقع
ويعيش الشعب الكردي ظروفاً معيشية صعبة، نتيجة أزمات متعددة، أبرزها قضية الرواتب، بالإضافة إلى تأخير تشكيل حكومة إقليم كردستان رغم مرور عامين على إجراء الانتخابات.
هذه الأوضاع قد تدفع الشارع الكردي نحو خيار مقاطعة صناديق الاقتراع، وهو ما قد يضر ببعض الأحزاب، لكن في النهاية ستُفرز المحافظات الثلاث في إقليم كردستان 46 مقعداً نيابياً تتقاسمها الأحزاب الكردية، وعلى رأسها "الحزب الديموقراطي الكردستاني" (البارتي)، و"الاتحاد الوطني الكردستاني" (اليكتي)، إلى جانب أحزاب ناشئة مثل "الجيل الجديد".
وتُعد محافظتا نينوى وكركوك من أهم المحطات الانتخابية بالنسبة للأحزاب الكردية، ولاسيما منها الحزبين الرئيسيين (البارتي واليكتي). وقد فازت القوائم والتحالفات الكردية في انتخابات مجالس المحافظات 2023 بـ15 مقعداً من أصل 75، توزعت على النحو الآتي: كركوك 7 مقاعد، نينوى 6 مقاعد، ومقعد في كل من ديالى وصلاح الدين.
وبالاعتماد على الكتلة التصويتية نفسها التي منحت هذه المقاعد في انتخابات مجالس المحافظات، ونظراً الى أن عدد المقاعد النيابية المخصصة للمحافظات الأربع (كركوك، نينوى، صلاح الدين، ديالى) هو 73 مقعداً، فإن عدد المقاعد المتوقعة للمكون الكردي في هذه المحافظات يراوح أيضاً بين 14 و15 مقعداً في الانتخابات النيابية المقبلة.
وبناءً على المعطيات الحالية، يُتوقع أن يبلغ مجموع المقاعد التي ستحصل عليها الأحزاب الكردية في المحافظات الشمالية والغربية، بما فيها محافظات إقليم كردستان، نحو 60 مقعداً في الدورة السادسة لمجلس النواب العراقي، وهو أقل من البرلمان الحالي الذي يضم 65 نائباً كردياً.
أخيراً، تشير هذه التخمينات والتوقعات إلى تحولات في ميزان القوى داخل البرلمان بدورته السادسة، في ظل خسارةٍ متوقعة بنحو 10 مقاعد للمكون الشيعي، وزيادة عدد مقاعد السنة بنحو 30 مقعداً، وتراجعٍ طفيف بعدد المقاعد الكردية بنحو 5 مقاعد. وقد تنتج هذه المعادلة واقعاً سياسياً جديداً ينعكس على شكل التحالفات وتوزيع السلطة في المرحلة المقبلة.
نبض