الأسير الأكثر شعبيّة منذ عرفات… البرغوثي بين زنزانة إسرائيل وقيادة الوحدة الفلسطينيّة

المشرق-العربي 30-10-2025 | 22:30

الأسير الأكثر شعبيّة منذ عرفات… البرغوثي بين زنزانة إسرائيل وقيادة الوحدة الفلسطينيّة

حتى في السجن، يفرض البرغوثي حضوره؛ فهو ليس مجرد أسير، بل رمز للوحدة الوطنية وقوّة سياسية قادرة على تحدي السياسات الإسرائيلية وقيادة صفوف الفلسطينيين نحو إنهاء الانقسام.
الأسير الأكثر شعبيّة منذ عرفات… البرغوثي بين زنزانة إسرائيل وقيادة الوحدة الفلسطينيّة
رسم غرافيك للأسير مروان البرغوثي على الجدار الفاصل في مدينة بيت لحم. (النهار)
Smaller Bigger

القيادي الفلسطيني الأسير مروان البرغوثي، "الزعيم الأكثر شعبية منذ ياسر عرفات" كما وصفته صحيفة "فايننشال تايمز" البريطانية، لا يزال يشكّل محوراً سياسياً حيوياً من زنزانته، حيث تتقاطع حوله الحسابات الفلسطينية والإسرائيلية والدولية. حتى في السجن، يفرض البرغوثي حضوره؛ فهو ليس مجرد أسير، بل رمز للوحدة الوطنية وقوّة سياسية قادرة على تحدي السياسات الإسرائيلية وقيادة صفوف الفلسطينيين نحو إنهاء الانقسام.
آخر ظهور علني له كان حين اقتحم وزير الأمن القومي الإسرائيلي المتطرف إيتمار بن غفير زنزانته، موجّهاً انتقادات حادة، لكن رد البرغوثي المليء بالسخرية على الوزير لم يظهر في الفيديو الرسمي، كما نقل نجله عرب للصحافة، قائلاً: "أرى الكثير من الشيب في رأسك، ألن تنضج وتكبر يوماً؟".
البرغوثي، بهذه السخرية الهادئة، يواصل التأثير من خلف القضبان، متحدياً الضغوط، محافظاً على شعبيته، ومذكّراً الجميع بأن زعامته لا تتوقف عند أسوار السجن.
ويبدو واضحاً أن بن غفير يعاني من "متلازمة البرغوثي"، إذ يواصل تهديده المباشر. فقد تعرّض الأسير الفلسطيني للضرب من قبل قوات القمع الإسرائيلية في أكثر من مناسبة، كان آخرها في أيلول/سبتمبر الماضي، حين شاهد معتقلون فلسطينيون من نوافذهم "رجلاً فاقد الوعي يُنقَل إلى زنزانة مجاورة".
ويعيش البرغوثي ظروفاً إنسانية بالغة القسوة في زنزانته الانفرادية، إذ فقد أكثر من نصف وزنه بسبب الإهمال الطبي المتعمّد وسوء المعاملة والاكتظاظ وتقليص الحصص الغذائية. ومنذ عام 2024، تعتمد مصلحة السجون الإسرائيلية سياسة نقله المستمر بين السجون، ما جعل حياته في خطر، وفق ما تؤكد زوجته المحامية فدوى البرغوثي التي أشارت إلى أنه أصيب بجروح في إحدى عينيه إثر تعرّضه للضرب الوحشي.
يُعرَف عن البرغوثي، كما يقول رفاقه في الأسر، أنه شديد الاهتمام بالتعليم، وكان يحثّ الأسرى على مواصلة دراستهم الجامعية، مشجّعاً إياهم على التسجيل في برامج البكالوريوس والماجستير والدكتوراه. حتى أن الأسرى أطلقوا على سجن هداريم لقب "أكاديمية النور"، لما شكّله من منارة للعلم والحوار السياسي والانفتاح بين الفصائل.

 

يعيش البرغوثي ظروفاً إنسانية بالغة القسوة في زنزانته الانفرادية. (أ ف ب)
يعيش البرغوثي ظروفاً إنسانية بالغة القسوة في زنزانته الانفرادية. (أ ف ب)

 

بين أوسلو وكامب ديفيد
يقول الأكاديمي والمتخصص في الشأن الإسرائيلي شادي الشرفا الذي قضى 21 عاماً في الأسر وكان أحد رفاق البرغوثي، في حديثه إلى "النهار"، إنّ "مروان قريب من الناس، وخصوصاً الشباب. لا يميّز في علاقاته بين مسؤول وغيره، وهو شخصية مرحة وصاحب نكتة، زاهد لا يهتم بالمظاهر، لكنه صارم جداً في محاضراته (الدراسات الإسرائيلية)، ودقيق في تصحيح الامتحانات. منظم للغاية ويمارس الرياضة يومياً بغضّ النظر عن حالة الطقس".
ويضيف الشرفا: "كان البرغوثي في البداية من أشد المتحمسين لاتفاق أوسلو، مؤمناً بأن التفاهمات يمكن أن تؤدي إلى قيام دولة فلسطينية، برغم شكوكه بعد اطلاعه على بنود الاتفاق التي لم تذكر الدولة الفلسطينية صراحة. ومع ذلك ظلّ مقتنعاً بإمكانية قيامها. كما كان من التيار الذي رأى أن الحوار مع الإسرائيليين قد يفضي إلى نتيجة، لكنه اكتشف لاحقاً أن إسرائيل غير معنية بدولة مستقلة، بل تسعى إلى هضم حقوق الفلسطينيين".
ويتابع: "حدث التحوّل لدى مروان بعد لقاءات كامب ديفيد وقراءته كتاب دينيس روس، فخلص إلى أن الإدارة الأميركية وإسرائيل غير جديتين في السعي نحو الدولة الفلسطينية. من هنا، تبنّى مبدأ المفاوضات بالتوازي مع الكفاح، وهو صاحب المقولة الشهيرة: المفاوضات تحت النار، وكان يستشهد دائماً بالتجربة الفيتنامية حيث كان التفاوض يجري في خضمّ المعارك".
ويشير الشرفا إلى أن البرغوثي يعتبر اتفاق أوسلو "تنازلاً عن فلسطينيي الداخل عام 1948"، وأن الخلاف السياسي الأبرز بينه وبين اليسار يتمحور حول آلية بناء الدولة. فهو يؤمن بالخيار الليبرالي، لكنه يتميّز بانفتاحه الكبير، ودفاعه الصلب عن الحرية الدينية وحقوق المرأة ودورها الريادي، متأثراً بدور زوجته فدوى. كما يرى أن النهضة الفلسطينية تبدأ من إصلاح منظومة التربية والتعليم.
ويكشف الشرفا عن حادثة وقعت بعد زيارة شخصية معيّنة للبرغوثي: "استدعاني مروان وطلب أن نخرج إلى ساحة السجن، وقال لي بالحرف: تخيّل أن بعض القيادات الفتحاوية أبلغت الاستخبارات المصرية بألا يتم الإفراج عني في أي صفقة تبادل. وقد نقلت المخابرات المصرية تلك الرسائل إلى أطراف قريبة مني. باختصار، هناك من لا يريد خروجي لأنه يزعجه ويهدد مصالحه، لذلك طُلب استثنائي من الصفقة".
وبرغم اعتقاله، لا يزال البرغوثي يتصدر استطلاعات الرأي ويتمتع بشعبية واسعة قادرة على توحيد الفصائل الفلسطينية على اختلاف توجهاتها. فهو براغماتي وحدوي يرفض الانقسام، وكان مع رفاقه من مختلف الفصائل السبّاق في صياغة وثيقة الوفاق الوطني تحت شعار وحدة الدم ووحدة القرار، التي لو تم تبنيها لما طال أمد الانقسام.
ويكرر محللون إسرائيليون في وسائل الإعلام أن "إسرائيل غير مستعدة للإفراج عن قياديين بارزين مثل البرغوثي، لأنهم سيدفعون باتجاه مزيد من التحريض ويؤدّون إلى تدهور الوضع الأمني"، معتبرين أنه "ليس شخصاً يسعى إلى السلام، بل متطرف للغاية".

 

ما الذي جعل "حماس" تطالب بالبرغوثي؟
وفقاً لمسؤول إسرائيلي، كان البرغوثي على رأس قائمة الأسماء التي طالبت حركة "حماس" بالإفراج عنها، وكاد الخلاف حوله بين الوفود الفلسطينية والإسرائيلية والأميركية أن يُطيح صفقة التبادل الأخيرة ويهدد اتفاق وقف إطلاق النار.
لكن تمسّك "حماس" به نابع من منطلق أخلاقي لا أيديولوجي، باعتباره من أصحاب المحكوميات العالية والأقدمية في الأسر وكِبَر السن.
وتقول الباحثة في السياسات والعلاقات الدولية الدكتورة سناء زكارنة، لـ"النهار"، إن "حماس رفضت التخلي عن البرغوثي بالمطلق، إدراكاً منها أنه يشكّل الرافعة الوطنية الحقيقية والضمانة الأساسية لإعادة توحيد الشعب الفلسطيني بعد سنوات من الانقسام".
وتضيف: "أرجّح وجود ملحق سري لمبادرة وقف إطلاق النار يتضمن تفاهماً غير معلن بشأن البرغوثي. لكن إخراجه إلى الحرية لن يكون ضمن صفقة مباشرة، بل بمبادرة شخصية من الرئيس الأميركي دونالد ترامب، تُقدَّم على أنها خطوة إنسانية أو سياسية منفصلة، لإرضاء إسرائيل وإظهار أن الإفراج لم يكن بطلب من المقاومة، منعاً لاحتسابه إنجازاً لحماس".
وفي العمق، يبدو أن الوسطاء توصّلوا إلى قناعة بأنه لا يمكن الوصول إلى حلّ مستدام من دون إنهاء الانقسام الفلسطيني وإعادة توحيد الصف الوطني بقيادة تحظى بشرعية نضالية وقبول شعبي، وهو ما يجسده البرغوثي بامتياز.
وتختم زكارنة بالقول إن "تصريحات ترامب بشأن البرغوثي لم تأتِ عبثاً، بل تُمهّد لتهيئة الأجواء السياسية لخروجه في توقيت محسوب بعناية".
ويبقى السؤال: هل الإعلان الدستوري الجديد الذي أصدره الرئيس الفلسطيني يأتي لترتيب اليوم التالي بعد البرغوثي؟


العلامات الدالة

الأكثر قراءة

ثقافة 10/30/2025 10:50:00 PM
بعد صراع طويل مع المرض...
صحة وعلوم 10/29/2025 2:06:00 PM
أنقذ الطبيب اللبناني الدكتور محمد بيضون طفلاً من الموت بجراحة غير مسبوقة أعاد فيها وصل رأسه بجسمه، بعدما كان الأمل مفقوداً في نجاته.
مجتمع 10/30/2025 3:01:00 PM
فتحت القوى الأمنية تحقيقاً في الحادثة للوقوف على ملابسات جريمة الطعن