تتحيّن إيران التصعيد الإسرائيلي المتوقع ضدها إذا تعثّرت مفاوضاتها مع الولايات المتحدة، وتجهّز العدّة العسكرية لأيّ حرب جديدة مرتقبة في ظل تقارير تشير إلى أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لن يتوقف عند حدود ما وصل إليه خلال المرحلة الأخيرة، وقد يسعى إلى التوجّه نحو عمق الشرق مرّة أخرى واستهداف إيران، كخطوة جديدة لترسيخ معادلات استراتيجية أمنية جديدة.

تتحضّر إيران لهذا السيناريو، وتعيد تعبئة مخازنها بالأسلحة المطلوبة للمواجهة المفترضة، خصوصاً لجهة الصواريخ، على ضوء نقص مخزونها إثر حرب الـ12 اليوم، التي فقدت خلالها الكثير، إما بسبب الاستخدام، وإما بسبب القصف الإسرائيلي. في هذا السياق، ينقل تقرير لشبكة "سي أن أن" عن مصادر استخباراتية أوروبية معلومات مفادها نقل شحنات موادّ كيميائية مخصّصة للصواريخ من الصين إلى إيران.

المعلومات تقول إن شحنات عدة من بيركلورات الصوديوم، المادة الأولية الرئيسية في إنتاج الوقود الصلب، الذي يُشغّل الصواريخ التقليدية الإيرانية متوسطة المدى، قد وصلت من الموانئ الصينية إلى ميناء بندر عباس الإيراني منذ أواخر أيلول/ سبتمبر. وتحمل 2000 طن من المادة الكيميائية التي اشترتها طهران من موردين صينيين.

ألفا طن من بيركلورات الصوديوم تكفي لنحو 500 صاروخ، فيما إيران بحاجة إلى أعداد أكبر تحسباً لأي مواجهة. وفي هذا السياق، يتوقع جيفري لويس، مدير مشروع منع الانتشار النووي في شرقي آسيا بمعهد ميدلبري للدراسات الدولية، "وصول شحنات كبيرة"، لكون إيران بحاجة إلى كميات أكبر من بيركلورات الصوديوم لاستبدال الصواريخ التي استُخدمت في الحرب ولزيادة إنتاجها. 

توتر متصاعد
المعلومات الاستخباراتية - إذا صدقت - تعني أن إيران تتحضّر عسكرياً في ظل توتر متصاعد بينها وبين الغرب، وبالتحديد إسرائيل، علماً بأن المفاوضات الأميركية – الإيرانية قائمة من خلف الستار. أستاذ العلوم السياسية والقانون الدولي علي فضل الله يتحدّث عن التوتر المذكور، والذي "تصاعد" مع الترويكا الأوروبية (بريطانيا، ألمانيا وفرنسا)، بعد تفعيل آلية "سناب باك" وفرض المزيد من العقوبات.

عودة إيران إلى التسلّح خطوة تندرج ضمن المنطقية السياسية لكون احتمالات الحرب مرتفعة. من جهته، يرى علي واعظ، مدير مشروع إيران في مجموعة الأزمات الدولية، خلال حديث لـ"النهار"، سعي إيران إلى إعادة التسليح تحسباً لضربة إسرائيلية "طبيعياً"، ومن الواضح أنها أدركت أن "أفضل دفاع لها هو الهجوم"، لذلك تُركز جهودها على زيادة إنتاج صواريخها الباليستية.

الصين (أ ف ب).

من جهته، يقول فضل الله لـ"النهار" إن إيران تختبر الضغط والعقوبات والتهديدات، وتفتقر إلى قدرات سلاح الجو؛ وبالتالي استغلالها كل الفرص وتطوير السلاح الصاروخي هو "نتيجة طبيعية" للواقع المذكور. لكن السؤال يتمحور بشأن قدرة إيران على ترميم ترسانتها الصاروخية قبل الحرب المفترضة. في السياق، يشير فضل الله إلى الصناعات المحلية "القوية" والاستنفار العسكري القائم في إيران.

ذريعة إسرائيلية لضرب إيران؟
ثمّة خشية من أن يكون التسريب الاستخباراتي مقدّمة لضربة إسرائيلية ضد إيران. سبق للولايات المتحدة وإسرائيل أن اعتمدت هذه الاستراتيجية: تسريب تقارير تتحدّث عن نشاط صاروخي أو نووي وتسلّحي، وشنّ الحرب تحت عنوان "الضربات الاستباقية". هذا السيناريو جرى قبل حرب الـ12 يوماً، حينما أصدرت الوكالة الدولية للطاقة الذرية موقفاً يتحدّث عن تقدّم إيران على المستوى النووي.

تستخدم إسرائيل هذه التقارير كذرائع لحروبها، وثمّة سيناريو مشابه في لبنان، إذ كثرت التقارير التي تشير إلى مساعي "حزب الله" لترميم ترسانته. فضل الله يتحدث عن هذا الواقع، يقول "لا يمكن حسم صحّة" المعلومات التي نقلتها المصادر الأوروبية، لكن التقرير يندرج في سياق الضغوط المستمرّة على إيران.

في المحصّلة، فإن سباق التسلّح في الشرق الأوسط مستمر بين إسرائيل وإيران، ودوائر القرار في تل أبيب، ولا سيما في مكتب نتنياهو، تنتظر الفرصة المناسبة لشنّ حرب جديدة على إيران، لترسّخ من خلالها موازين قوى جديدة. لكن الكرة في البيت الأبيض، وقرار شنّ الحرب من عدمه سيكون مرهوناً بالمفاوضات الأميركية – الإيرانية الجارية خلف الستار.