التحالف الدولي يعيد تعريف مهمّته في سوريا: من مطاردة "داعش" إلى هندسة الاستقرار

المشرق-العربي 30-10-2025 | 06:02

التحالف الدولي يعيد تعريف مهمّته في سوريا: من مطاردة "داعش" إلى هندسة الاستقرار

لماذا تحتاج واشنطن إلى هذا كله بعد سقوط النظام وخروج إيران؟
التحالف الدولي يعيد تعريف مهمّته في سوريا: من مطاردة "داعش" إلى هندسة الاستقرار
ناقلة جند أميركية في محافظة الحسكة شمال شرق سوريا، في 26 كانون الثاني 2023. (أ ف ب)
Smaller Bigger

كانت الحركة في سماء الحسكة والرقة ودير الزور خلال تشرين الأول/أكتوبر الجاري لافتة. طائرات شحن تهبط تباعاً في قواعد التحالف، ومروحيات ترافقها، وقوافل لوجستية تعبر من معبر الوليد، بالتوازي مع تدريبات مكثّفة على الذخيرة الحية ومكافحة المسيّرات في قسرك والشدادي وخراب الجير . نوعية التعزيزات تكشف المقصود منها أكثر مما تقوله الأرقام: أنظمة دفاع جوي، ورادارات، ومعدّات إلكترونية، وتوسيع للبنية الفنية، أي انتقال من حضورٍ يطارد خلايا "داعش" فحسب، إلى حضورٍ يثبت قواعد الردع ويُحكِم المراقبة خلال المرحلة الانتقالية.


لم يأتِ هذا من فراغ. في 2 تشرين الأول/أكتوبر، أعلنت "المقاومة الشعبية السورية" أول استهداف مزعوم لقوات أميركية جنوب الحسكة، وتداولت حسابات محلية مقاطع لتفعيل الدفاعات فوق الشدادي، فيما تحدّثت مصادر أميركية عن تجميد خفضٍ كان مخطّطاً للقوات. سواء ثبتت رواية الهجوم أم لم تثبت، فهي تكفي لتفسير لماذا سبق التحالف الوقائع بتحصين القواعد ورفع الجاهزية، ولماذا رُفعت وتيرة التدريب المشترك مع "قسد" والانتقال من تمارين تقليدية إلى سيناريوات إسقاط مسيّرات وتنسيق نار جو - أرض.
السؤال الأوسع هو: لماذا تحتاج واشنطن إلى هذا كله بعد سقوط النظام وخروج إيران؟ لأن نهاية "العدوّ التقليدي" لا تعني بداية الاستقرار. ما خلّفه السقوط من فراغ جزئي، وبُنى محلية متصارعة، وحدود رخوة، وتهديد شبكيٌّ لا سياديٌّ تعيد "داعش" اختبار مساحاته حيثما وجدت ثغرة. هنا يتغيّر تعريف المهمة الأميركية: من قتال مباشر إلى ضبط مسار الانتقال، مراقبة أداء السلطة الجديدة، منع انتكاس أمني، أو هندسة نفوذ أحادي لأي طرف داخلي أو إقليمي، وإبقاء القدرة على التدخّل الدقيق متى لزم الأمر.
ضمن هذا التصوّر يبرز موقع التنف ووحدته الشريكة "جيش سوريا الحرة" كعقدةٍ تشغيلية لا كبندٍ هامشي. إدراج هذه القوة شكلياً تحت سقف وزارة الدفاع أزال ازدواجية الشرعية، لكن استقلالها التشغيلي بقي حيث يجب أن يبقى: تمويلٌ وتجهيزٌ وتدريبٌ أميركي، ومهمات مباشرة ضد "داعش"، وحماية محيط القاعدة، وتنسيق مستمر مع التحالف. مشروع موازنة 2026 الأميركي نصّ على تمويلٍ لـ"قسد" و"جيش سوريا الحرة"، ما يعني تثبيت الجاهزية لا ربطها بالمزاج السياسي اليومي. بهذه الصيغة تتحول واشنطن من "راعٍ خارجي" إلى لاعب داخل البنية الجديدة عبر ذراع محلية تعمل من داخل المؤسسات لا على هامشها.

 

تبدو تعزيزات تشرين الأول علامة على تحوّل الدور الأميركي أكثر مما هي مجرّد حدثٍ عسكري. (أ ف ب)
تبدو تعزيزات تشرين الأول علامة على تحوّل الدور الأميركي أكثر مما هي مجرّد حدثٍ عسكري. (أ ف ب)

 

ولا يُفهم هذا التموضع بمعزل عن الشمال الشرقي. فالانتشار الأميركي هناك ليس "حراسة آبار" بقدر ما هو صون منظومة شراكات تريدها واشنطن متوازنة: "قسد" شريكٌ رئيسي لكنه ليس الوحيد، و"جيش سوريا الحرة" يمنح توزيعاً وظيفياً يخفّف حساسية أنقرة ويحدّ من احتمالات الاحتكاك التركي–الكردي، فيما يتيح للولايات المتحدة أن تبقى صمّام أمانٍ على خط التوتر التركي - الإسرائيلي جنوباً ووسط البلاد. كما تُساهم منظومات الدفاع الجوي في التنف، وفق تقديرات غربية، في عمل عقدة إنذار مبكر ومراقبة جوية تكشف مسارات المسيّرات والصواريخ العابرة للبادية وتتتبعها، بما يمنح إسرائيل هامش ردعٍ جوي في سيناريوهات التصعيد المحتملة مع إيران.
أمام هذا المشهد، تبدو التعزيزات مزيجاً من استجابة لمخاطر محتملة ودور مقصود في هندسة الانتقال. أنظمة الدفاع والرادار والحرب الإلكترونية تُجبه التهديدات الرخيصة والمنتشرة (المسيّرات، النار غير المباشرة) وتؤمّن القواعد، لكنها أيضاً تمنح واشنطن عيناً مفتوحةً ويداً جاهزةً بلا تضخيمٍ للوجود العددي. لهذا بالذات لا يتعارض الحديث عن انسحاب تدريجي من العراق مع ترجيح بقاء طويل الأمد في سوريا بتموضع أخفّ وأذكى: كلما تقلّصت الأقدام زادت الحاجة إلى الأذرع المحلية، وكلما خُفّضت الكتلة البشرية ارتفع الاستثمار في الجاهزية النوعية والربط الاستخباري.


على المدى القريب، يمكن توقّع استمرار نمط "الوجود الضابط": تحصينٌ إضافي لنقاط الشمال الشرقي، تثبيت عقدة التنف كحاجز أمام تسلّل الشبكات عبر البادية، توسيع نطاق عمليات الملاحقة الدقيقة للخلايا في محيط دير الزور وتدمر، ومواصلة دمج الشركاء المحليين داخل مؤسسات الدولة مع إبقاء استقلالهم التشغيلي بحيث يخدم الوظيفة. الهدف ليس إعلان "نهاية المهمة" بل منع بداية فوضى جديدة: لا فراغات يمكن أن تملأها خلايا "داعش"، ولا قفزات أحادية تعيد إنتاج احتكار القوة، ولا ممرات مفتوحة تعيد تدوير نفوذ خارجي بواجهات محلية.
بهذه المعادلة، تبدو تعزيزات تشرين الأول علامة على تحوّل الدور الأميركي أكثر مما هي مجرّد حدثٍ عسكري. في خلفية الضجيج اللوجستي ثمة سياسة تقول: الانتقال السوري يحتاج الى من يضبط إيقاعه كي لا يخطفه العنف أو يغرقه التنافس الإقليمي. وما دام هذا الاحتياج قائماً، سيبقى التحالف حاضراً بقدرٍ يكفي لإسناد الدولة الناشئة ومنع الانتكاس، ويكفي أيضاً ليضمن أن من يمسك بعجلة الأمن في دمشق لن يقودها وحيداً.

الأكثر قراءة

المشرق-العربي 10/31/2025 2:00:00 PM
أشقاء الشرع.. مسؤولان بارزان في الحكومة وثالث "معاقَب"
شمال إفريقيا 11/1/2025 8:19:00 AM
من هي الدول المشاركة في حفل افتتاح المتحف المصري الكبير؟ 
سياسة 11/1/2025 3:32:00 PM
برّاك: "آلاف الصواريخ المنتشرة في جنوب لبنان ما زالت تشكل تهديداً حقيقياً لإسرائيل"...
اقتصاد وأعمال 10/31/2025 9:15:00 AM
جدول جديد لأسعار المحروقات