هيكلة إيرانية للفصائل العراقية... خطوة على طريق التفاهم مع واشنطن
في تطورٍ لافت على الساحة العراقية، بدأت إيران حراكاً استراتيجياً يهدف إلى فتح نافذة تفاهم مع الولايات المتحدة، وإظهار مرونة سياسية أمام المجتمع الدولي، عبر إعادة هيكلة الفصائل المسلحة المدعومة من طهران، ضمن تفاهم أمني غير معلن مع بغداد.
ويرى مراقبون أن إعادة الهيكلة "لا تعني تفكيكاً حقيقياً لسلاح المقاومة"، بل إعادة تغليفه سياسياً. بمعنى أن ما يجري هو "إعادة صياغة دور المقاومة العراقية" ضمن معادلة جديدة قوامها "التهدئة مقابل البقاء".
وتقول مصادر عراقية مطلعة، لـ"النهار"، إنّ قائد "فيلق القدس" في الحرس الثوري الإيراني إسماعيل قاآني بحث خلال زيارته الأخيرة لبغداد مع أبرز قادة "الإطار التنسيقي" عدداً من الملفات الحسّاسة، من بينها "هيكلة الفصائل المسلحة المنخرطة في محور المقاومة".
وتضيف المصادر أن خيار الهيكلة يهدف إلى قطع أي مبررات قد تسمح باستهداف عسكري إسرائيلي لمقارّ الفصائل داخل العراق، مبيّنة أن هناك "اتفاقاً سرياً" بين بغداد وطهران في هذا الإطار، بهدف رفع مستوى التعاون الأمني المشترك بين الطرفين.
وتؤكد المصادر أن قاآني التقى جميع قادة "الإطار"، وعدداً من رجال الدين في النجف الأشرف، إلى جانب بعض قادة الفصائل، وذلك لمناقشة سبل "تنظيم السلاح".
وزار قاآني العراق في 21 تشرين الأول/أكتوبر الجاري، في ظل الاستعدادات المتواصلة ليوم الاقتراع العام المقرر في 11 تشرين الثاني/نوفمبر المقبل، حيث تشهد الساحة الشيعية تنافساً متصاعداً في الدعاية الانتخابية، أفرز خلافات حادة بين أحزاب "الإطار التنسيقي".
وكان وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو قد أكد، خلال مكالمة مع رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، مؤخراً، أن "الميليشيات المدعومة من إيران في العراق تهدد حياة وأعمال الأميركيين والعراقيين على حد سواء، وتنهب الموارد العراقية لصالح طهران".
ويُشار إلى أن الحراك الإيراني المزعوم لا يمكن فصله عن ثلاثة مؤشرات:
الأول، تصريح السفير البريطاني السابق في بغداد ستيفن هيكي، الذي توقّع "ألا نرى ميليشيات في العراق خلال خمس سنوات". الثاني، تهديدات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، من منصة الأمم المتحدة، باستهداف قادة "الميليشيات" إذا هاجموا إسرائيل. والثالث، الإجراءات الأميركية التي شملت تصنيفات إرهابية وعقوبات مالية على شبكات مرتبطة بإيران وبعض الفصائل العراقية.

وفي هذا السياق، يقول المحلل السياسي أحمد الموسوي، إن "فصائل المقاومة العراقية، التي طالت هجماتها العديد من المواقع الإسرائيلية والمصالح الأميركية في العراق خلال عامي 2023 و2024، أخذت تسلك مساراً سياسياً عبر توسيع أجنحتها الحزبية، علناً وفي الظل، داخل العملية الانتخابية".
ويضيف الموسوي، في تصريح لـ"النهار"، أن هذا النوع من الضغط الأميركي دفع الفصائل إلى البحث عن أشكال وأدوات تحفظ لها مساحة في خريطة العملية السياسية، تمهيداً لانسحابها الجزئي من المشهد العسكري.
ويشير إلى أن واشنطن عملت في وقت سابق على إعداد "خريطة طريق" تهدف إلى "إضعاف وإنهاء قوة محور المقاومة الممتد من فلسطين ولبنان إلى العراق واليمن وإيران"، موضحاً أن ذلك شمل "الدعم غير المسبوق" الذي قدّمته الولايات المتحدة لإسرائيل، التي تمكّنت من استهداف قيادات ومواقع مهمة لـ"محور المقاومة" في إيران ولبنان واليمن.
وإلى جانب ذلك، يوضح الموسوي أن الإدارة الأميركية أخذت تنتهج مساراً جديداً في العلاقة مع العراق من خلال تعيين ممثل خاص لها في بغداد، هو مارك سافايا، بدلاً من السفير التقليدي، وهو ما يفسّره بأن "طبيعة التعامل بين الجانبين ستكون مباشرة وأكثر حساسية".
وفي المقابل، ينبّه الموسوي إلى أن حكومة السوداني تسعى إلى خلق "توازن" بين المصالح الإيرانية والأميركية على الساحة العراقية، في محاولة لتجنّب ارتدادات تضر بمصلحة البلاد، مبيّناً أن زيارة مستشار الأمن القومي قاسم الأعرجي لطهران أخيراً عُرضت خلالها رؤية بغداد لشكل العلاقة مع كلٍّ من طهران وواشنطن.
ويعتقد الموسوي أن إيران "تتفهّم" موقف العراق المعقّد في هذه المعادلة، لكنها تأمل فتح قنوات تفاهم غير مباشرة مع الولايات المتحدة، التي ترغب في "ترشيق" مستويات التعاون بين بغداد وطهران، وضبط سلاح الفصائل المسلحة.
نبض