جويل رايبورن... وجه قديم لمهام جديدة في سوريا
أُحيل ترشيح جويل رايبورن لمنصب مساعد وزير الخارجية لشؤون الشرق الأدنى إلى جلسة التصويت في مجلس الشيوخ، وتُقرأ هذه الخطوة كتطوّر عملي قد يعيد ترتيب أدوات السياسة الأميركية في الملف السوري.
ريبورن ليس وجهاً جديداً في الساحة السورية، فقد شغل مناصب عدّة، منها المبعوث الخاص إلى سوريا ونائب مساعد وزير الخارجية، وله خلفية عسكرية وتجربة عمل داخل وزارة الخارجية ومجلس الأمن القومي. هذا المزج بين الميدان والمؤسسة يمنحه قدرة على ربط المقترحات السياسية بالأدوات التنفيذية، ما يجعل شخصيته ذات ثقل عند صياغة خطوط عملية قابلة للتطبيق.
تجمع سيرته بين خبرة تشغيل ميدانية ومعرفة مؤسسية اكتسبها بين عامي 2018 و2021، قبل انتقاله إلى العمل البحثي والظهور في منابر فكرية، ما يؤهّله لملاءمة المقترحات السياسية مع متطلبات التنفيذ الفعلي، شريطة توافر الإرادة والموارد.
وخلال الأشهر الماضية، شهدت السياسة الأميركية تحوّلاً لافتاً بقيادة توم براك، إذ بدت المقاربة تتحوّل من منطق العزل والعقوبات الشاملة إلى نهج أوسع يضع في مقدمة اهتماماته الدمج الإقليمي، ومواجهة التطرف بصورة ملموسة، واحتواء دوائر العنف المتجددة.
ترافق هذا التحوّل مع تخفيف جزئي لبعض قيود العقوبات صيف عام 2025، ما أتاح لدوائر القرار ميداناً أوسع للمبادرات الديبلوماسية والميدانية، وهو الإطار العملي الذي سيُقاس عليه مدى قدرة رايبورن على تحويل الخطط إلى تطبيقات فعلية.

لا يزال غير محسوم ما إذا كان وصول رايبورن سيقود إلى تحوّل جوهري في طريقة إدارة براك للملف السوري، وخاصة في قضايا مثل السويداء وشرق الفرات ومسارات التفاوض مع إسرائيل. ومع ذلك، فإن الفوارق الشخصية والوزن المؤسسي قد تترك بصمات على أولويات الأدوات ولهجات التنسيق مع الشركاء، من دون إحداث انقلاب كامل في السياسة.
نهجه كمبعوث بين عامي 2018 و2021 ربط الأمن بالمساءلة وقرأ الملف السوري ضمن سياق إقليمي أوسع. أعطى أولوية لشراكات ميدانية في مكافحة الإرهاب مع اشتراط عدم تحويل أي تسوية سياسية إلى مكافأة لمن لم يغيّروا سلوكهم. عملياً، يوازن بين ضغوط أمنية مركّزة على الجماعات المتطرفة وإجراءات مجتمعية تقلّل من أرضية تجددها، وبين دعم الأداء الأمني للأطراف المتعاونة ورفض منح غطاء سياسي لمشاريع هيمنة من دون إصلاحات واضحة.
ومن مؤشرات التحوّل طبيعة العلاقة مع "قسد"، إذ تصف سجلات رايبورن هذه القوة بأنها شريك عملي في مكافحة الإرهاب، مع تحفّظ على منحها دعماً سياسياً تلقائياً لمشاريع انفصالية، ما قد يدفع إلى تأطير وجودها ضمن أطر إدارية وقانونية تحدّد مسؤولياتها الأمنية وحدود دورها السياسي.
أما في التعاطي مع أنقرة، فيسعى نهجه إلى موازنة تطمينات تركيا لمخاوفها الأمنية مع منع قيام بنى موازية على الحدود، سعياً إلى صيغ تفاهم تحافظ على مكتسبات الشركاء المحليين وتتفادى فراغاً أمنياً.
وفي ما يتعلّق بالجماعات المتطرفة، لدى رايبورن تحفظات واضحة على أي مسار يمنح شرعية سياسية لمن يمارس احتكاراً محلياً للسلطة من دون تغيير سلوكي ومؤسسي. عملياً، يميّز بين ضغوط ميدانية مركّزة على هذه الجماعات وإجراءات مجتمعية تقلّص أرضية تجددها، ودعم الأداء الأمني للأطراف المتعاونة ورفض تقديم غطاء سياسي لمشاريع هيمنة بلا إصلاحات.
تكمن الصلة العملية بين الملفات في تحويل التوجّهات إلى إجراءات مترابطة على الأرض: إقامة مساحات عمل مشتركة، وربط المساعدات بشروط ومؤشرات مؤسسية واضحة، وإطلاق آليات تنسيق ثنائية ومتعددة الأطراف تضمن اتساق التدخلات. هذه ليست مجرد آليات تقنية، بل نتاج توازنات داخل واشنطن وشبكات إقليمية تتطلّب صيانة مستمرة.
تؤهّل خبرة رايبورن الميدانية والبيروقراطية للمساهمة في إعداد أوراق عمل إجرائية قابلة للتنفيذ، لكن نجاحها مرهون بمدى قبول الشركاء واستعداد الجهات التنفيذية والموارد المتاحة.
في المحصّلة، برغم أن سيرة رايبورن تمنحه مصداقية تنفيذية، فإن أي تغييرات فعلية ستبقى مقيدة بتوازنات مؤسسية داخل واشنطن، ومحدودية الموارد، والقبول الإقليمي. لذا قد تفضي المرحلة المقبلة إلى تعديلات تكتيكية أكثر من إعادة ترتيب جذري.
نبض