شرارة انتخابية تشعل آلتون كوبري... عودة التوتر الكردي – التركماني شمال العراق
عاد الهدوء الحذر إلى بلدة آلتون كوبري/بردي شمال غرب مدينة كركوك، عقب توترات شعبية واسعة بين الأكراد والتركمان في إطار أجواء الحملة الانتخابية، ما استدعى تدخل وحدات من الجيش العراقي واتصالات سياسية كثيفة لاحتواء الأحداث. غير أن مراقبين يحذّرون من احتمال تجدّد التوتر في البلدة أو في غيرها من مناطق التماس القومي داخل المحافظة.
اتصلت "النهار" بعدد من أبناء البلدة الذين أكدوا استمرار الهدوء منذ مساء الجمعة، مع بقاء القوات الأمنية والعسكرية منتشرة في الطرق وكل المراكز الحيوية. وأشار شهود إلى أن الشرارة الأولى اندلعت بعد حضور مناصرين للوائح التركمانية وآخرين من لائحة الحزب الديموقراطي الكردستاني في منطقة "تسعين كردستان" في الوقت نفسه، واحتدام الخلاف حيال أحقية تعليق الأعلام الحزبية في المكان ذاته. وسرعان ما تحولت المشادة الكلامية إلى اشتباك بالأيدي، فتدخلت قوة أمنية قريبة وأطلقت النار في الهواء، إلا أن التوتر سرعان ما امتد إلى مناطق مختلفة من البلدة خلال الساعات اللاحقة، ما استدعى تدخل وحدات من الجيش العراقي المتمركزة في معسكرات قريبة.
وتتمتع آلتون كوبري/بردي بخصوصية سياسية واضحة، إذ تقع في منتصف المسافة بين مدينتي كركوك وأربيل، عاصمة إقليم كردستان، وتشهد منذ سنوات صراعاً تقليدياً على تبعيتها القومية والسياسية والإدارية. فهي تُعد من المناطق "المتنازع عليها" بين الحكومة الاتحادية وحكومة إقليم كردستان بموجب الدستور العراقي، وتضم تركيبة سكانية معقدة، إذ تعاقبت الغالبية بين الأكراد والتركمان أكثر من مرة في الإحصاءات الوطنية المختلفة. كما كانت البلدة مسرحاً لمواجهات مسلّحة عام 2017، عندما استعاد الجيش العراقي وفصائل "الحشد الشعبي" السيطرة على معظم مناطق محافظة كركوك.

الناشط المدني روني شالاو، وهو من أبناء البلدة، يرى أن ما تشهده آلتون كوبري حالياً هو نتيجة تراكمات طويلة من الاحتقان، كانت في معظمها على حساب تركمان البلدة الذين – بحسب رأيه – "يعيشون شعوراً دائماً بالمظلومية السياسية والإدارية، ويعتمدون تقليدياً على النفوذ التركي الذي لم يعد قادراً على تحقيق مكاسب مباشرة لهم".
ويقول شالاو في حديث إلى "النهار": "قبل الانتخابات النيابية الأخيرة عام 2021، كانت الأحزاب التركمانية تؤكد أنها تمثّل الغالبية في المحافظة، وأن مشكلتها في الانتخابات السابقة كانت في السجل الانتخابي، لكنها لم تحصد سوى مقعدين من أصل 12 مقعداً. وتكرر الأمر في انتخابات مجالس المحافظات عام 2024، إذ لم تتجاوز نسبة التركمان في المحافظة 15 في المئة من مجموع السكان، رغم الدعاية الداخلية التي رُوّجت بأن كركوك تركمانية، وأنهم سيتولّون منصب المحافظ. ولأنهم بقوا خارج الكتلة المؤيدة للمحافظ الحالي، فهم يعتبرون أنفسهم محرومين من حصتهم الطبيعية في المناصب العامة. وقد وصل الأمر في الأشهر الماضية إلى قيام تركمان البلدة بقطع الطريق السريعة بين كركوك وأربيل، مطالبين الحكومة الاتحادية بالتدخل لتغيير الواقع الإداري ومنحهم مناصب داخل البلدة. ويحدث ذلك في وقت تعتمد الأحزاب المختلفة على إثارة العصبيات القومية لزيادة قاعدتها الشعبية".
ودعت القوى السياسية في المدينة إلى تهدئة الأوضاع تمهيداً لإجراء الانتخابات (11 تشرين الثاني/نوفمبر المقبل) في أجواء آمنة، محذّرة من أن استمرار التوتر قد يؤدي إلى إلغاء نتائج المحافظة من المفوضية العليا المستقلة للانتخابات، الأمر الذي قد يقلل من نسبة تمثيل النواب الأكراد في البرلمان الاتحادي، ويحرم التركمان أي حضور سياسي فعلي تحت قبّته.
نبض