الاتفاق الأمني جنوب سوريا: مساحة التفاوض بين الاستمهال الإسرائيلي والرغبة السورية

أكّد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو المؤكّد، وقال إن إسرائيل لن تنسحب من المناطق التي سيطرت عليها في سوريا، مشيراً إلى أنّه يريد اتفاقاً أمنياً مع الحكومة السورية الجديدة، على أن تكون منطقة الجنوب الغربي من سوريا منزوعة السلاح، وهو واقع حاول خلال الأشهر الماضية ترسيخه بقوّة النار من خلال التوغلات في القنيطرة وجبل الشيخ وريف دمشق، وقصف السلاح الثقيل.
كادت إسرائيل وسوريا أن تتوصّلا إلى اتفاق أمني مرتبط بجنوب سوريا على هامش قمّة الأمم المتحدة، ورسمت الخرائط المبدئية لمناطق النفوذ والسيطرة في الجنوب السوري، لكن الاتفاق لم يعقد. حينها، عزت "رويترز" السبب إلى مطالبة إسرائيل بممر نحو السويداء لم توافق عليه سوريا، لكن عوامل أخرى كثيرة كانت وراء التخلّف عن الاتفاق.
العامل الأول كان ديبلوماسياً. حينها، قرّر الرئيس الأميركي دونالد ترامب تكثيف ضغوطه للتوصّل لاتفاق في غزّة، واجتمع مع نتنياهو وعقد القمّة العربية والإسلامية، فلم تكن سوريا أولوية. العوامل الأخرى كانت سياسية وأمنية. الفجوات كانت كبيرة بين سوريا وإسرائيل، كون الاتفاق يتيح لإسرائيل السيطرة على جنوب سوريا والتحرّك بحرية، وبالتالي كان اتفاقاً "أحادي الجانب".
نائب الرئيس التنفيذي لـ"المنتدى السوري" داني البعّاج يرى خلال حديثه مع "النهار" أن "لا مصلحة" لإسرائيل لعقد الاتفاق مع سوريا، لأنها "تتمتع بفائض قوّة" يمكّنها من تحقيق أهدافها وترسيخ المعادلات الأمنية الجديدة بالنار دون عقد الاتفاقات، خصوصاً أن ما حصل في السويداء كان بمثابة فرصة "استغلتها" إسرائيل واعتبرتها "ذريعة" لتكثيف تدخلها في الجنوب السوري.
السيطرة جنوب سوريا
لم تكن تصريحات نتنياهو الأخيرة وإصراره على بقاء إسرائيل في المناطق التي سيطرت عليها مستغربة، كونها نتاج المتغيرات الأمنية التي استجدت. ترك تاريخ 7 تشرين الأول/أكتوبر أثره على منظومة العمل الأمني في إسرائيل، وفرض عليها اتخاذ إجراءات جديدة، أولها المناطق العازلة في محيطها، وكما هو الحال في غزّة ولبنان، سيكون في سوريا.
تعي إسرائيل أنها ستبقى في حالة حرب في المديين القريب والمتوسط، على المستوى الداخلي الفلسطيني والإقليمي، وتعي أن سوريا نقطة ارتكاز في الشرق الأوسط يمكن أن تكون منطلق مشاريع ضد إسرائيل أو ممرات سلاح، وبالتالي تصر على إنشاء منطقة أمنية عازلة خالية من السلاح، وقد تكون شبه خالية من السكّان أيضاً، لإحكام قبضة عسكرية تامة على حدودها ومنافذها.
موقف سوريا مغاير
في المقابل، تريد سوريا اتفاقاً مع إسرائيل، انطلاقاً من دواع سياسية وأمنية. فالاتفاق يمنح دمشق ضمانات أمنية ويخفف من منسوب التوتر في الجنوب السوري، وبالتحديد السويداء حيث تنشط الأجهزة الاستخباراتية الإسرائيلية، ويضيف من شرعيتها الدولية ويفتح باباً أمام الاستثمارات التي تنطلق من الخليج وعمق آسيا وتمر عبر سوريا وتصل إلى إسرائيل والبحر المتوسط.
لكن السلطات السورية الجديدة لا ترضى ببقاء إسرائيل في الجنوب، إلّا أن عدم استعجال إسرائيل على عقد الاتفاق وعدم قدرة سوريا على اتخاذ إجراءات عسكرية ضد الوجود الإسرائيلي، سيعني حكماً وفق البعّاج "بقاء" إسرائيل في المواقع التي سيطرت عليها واحتمال "توسيع" وجودها أكثر، وهذا الواقع "يخدمها ومحكوم بفائض قوتها".
في المحصلة، فإن المشهد على الشكل التالي: إسرائيل غير مستعجلة لعقد الاتفاق ولا تريد الانسحاب من الجنوب السوري، وتفرض معادلاتها الأمنية بفائض القوة العسكرية. بالمقابل، لا تريد السلطات السورية التخلّي عن الجنوب السوري، لكنها في الآن عينه غير قادرة على اتخاذ أي إجراء في هذا السياق، وهنا تمكن مساحات التفاوض وأفق التسويات المستقبلية.