بعد تحوّلات ميدانية... تركيا تعيد العلاقة مع "الوطني الكردستاني"

بعد قرابة ثلاثة أعوام من الحظر، أعلنت هيئة الطيران المدني التركية إزالة إشعار الحظر الجوي (NOTAM) عن مطار مدينة السليمانية في إقليم كردستان العراق، ما يعني إعادة فتح المجال الجوي التركي أمام حركة الطيران من ذلك المطار، كتطوّر في مسار "عملية السلام" بين تركيا وحزب العمال الكردستاني. فقد بقيت تركيا لسنوات تتهم حزب الاتحاد الوطني الكردستاني، ذا النفوذ في مدينة السليمانية، بمساندة العمال الكردستاني، وإدخال مطار السليمانية ضمن الخدمات اللوجستية التي كان يوفّرها للحزب.
الخطوط الجوية التركية (THY)، وهي شركة حكومية مساهمة، أعلنت عودة رحلاتها بين مدينتي إسطنبول والسليمانية اعتباراً من أوائل تشرين الثاني/نوفمبر المقبل، بمعدل أربع رحلات أسبوعياً، مضيفةً في بيان صادر عن مدير الاتصالات أن "القرار جاء في إطار التفاهمات الجديدة بين أنقرة وحكومة إقليم كردستان". وأكّد البيان الأنباء المتداولة بشأن تفاصيل الاجتماع الأخير بين رئيس إقليم كردستان نيجرفان بارزاني والرئيس التركي رجب طيب أردوغان، إذ طلب بارزاني تجاوز هذا التفصيل كتأكيد على إيجابية الأجواء بين تركيا وإقليم كردستان، الذي يعمل كوسيط غير مباشر بين أنقرة والعمال الكردستاني منذ سنوات، لكن بحيوية استثنائية منذ آذار/مارس الماضي، عقب إعلان العمال الكردستاني تخلّيه عن الكفاح المسلح.
عوامل سياسية عدة، وتطوّرات لوجستية، جرت خلال الشهور الماضية، أدّت بمجموعها إلى اجتراح هذا القرار السياسي التركي. فقد نُفّذت القرارات التي اتخذها نائب رئيس مجلس وزراء إقليم كردستان قوباد طالباني، قبل أشهر عدة، والمتمثلة بإغلاق مجموعة من التنظيمات المدنية الناشطة في مدينة السليمانية، والتي تتهمها تركيا بأنها "واجهات سياسية ولوجستية" للمظلّة السياسية والمدنية التي يستند إليها العمال الكردستاني في نشاطه عبر المنطقة والعالم، والمعروفة باسم "مؤتمر شعب كردستان ". كذلك طلبت إدارة مطار السليمانية من اللجان البرلمانية العراقية التأكد من سلامة الإجراءات في المطار، لدحض الادعاءات التركية بوجود نشاط أو دور للعمال الكردستاني ضمنه.
ومع هذين الإجراءين، أفادت تسريبات سياسية بأن الاتحاد الوطني تلقّى توصية من الولايات المتحدة مفادها ضرورة الابتعاد السياسي النسبي عن إيران ودورها في العراق، والتقرب أكثر من تركيا.
وبدأ التوتر السياسي بين تركيا والاتحاد الوطني الكردستاني في آب/أغسطس 2017، حينما تمكّن حزب العمال الكردستاني من "خطف" عضوين في جهاز المخابرات الوطني التركي (MIT) في مدينة دوكان بمحافظة السليمانية، وكان بحوزتهما ملفات أمنية بالغة الحساسية. وقد اتهمت تركيا الاتحاد الوطني الكردستاني بمساندة العمال الكردستاني، وطلبت من ممثله في تركيا بهروز كلالي مغادرة الأراضي التركية. وتدهورت العلاقات لاحقاً مع الاتهامات التركية بدعم الاتحاد لقوات سوريا الديموقراطية، التي تعتبرها أنقرة الجناح السوري للعمال الكردستاني.
بعد عامين، حينما تحطمت مروحية بالقرب من مدينة دهوك كانت متجهة من مدينة القامشلي إلى السليمانية، وأدّت الحادثة إلى مقتل تسعة أعضاء من وحدة مكافحة الإرهاب (YAT) التابعة لقوات سوريا الديموقراطية، اعتبرتها تركيا دليلاً إضافياً على التعاون المكثّف بين الطرفين. وعندما قصفت تركيا مطار السليمانية المدني في أيلول/سبتمبر 2023، أفادت الأنباء بأن المستهدف كان قائد قوات سوريا الديموقراطية مظلوم عبدي، فبلغ التوتر بين الطرفين ذروته.
يقول الباحث مجيد بكي، في حديث إلى "النهار"، إن إعادة ضبط العلاقة بين الطرفين "ضرورة حتمية تفرضها المرحلة". ويضيف: "الآن عاد النفط من إقليم كردستان إلى التصدير عبر تركيا، والقوة الأساسية للعمال الكردستاني تقع في مناطق نفوذ الاتحاد الوطني، فيما تحاول تركيا شغل مساحة إضافية في المعادلة العراقية بعد تراجع إيران".
ويرى بكي أن "كل ذلك يشير إلى أن أنقرة لا يمكن أن تبقى سلبية وعلى قطيعة مع الحزب الشريك في إدارة إقليم كردستان، فهي تدرك أسس الواقعية السياسية في هذا السياق".