ورقة ترامب لا تُنهي الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي... الحرب عائدة بأشكال مختلفة؟

متغيّرات استراتيجية طرأت على المشهد الفلسطيني، كان أبرزها اتفاق وقف النار في غزّة وقمّة شرم الشيخ التي عقدت وفق الورقة الأميركية. لكن هذه المستجدات على أهميتها لم تحمل مشروعاً فلسطينياً جديداً وواضحاً قادراً على إنهاء الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي، ما يهدّد باندلاع حروب مستقبلية تبقى احتمالاتها مرتفعة.
لم تتطرّق خطة الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى عوامل حل القضية الفلسطينية، بل اقتصرت على ما سماه "إنجازاً" بوقف الحرب. توقفت الحرب مبدئياً، لكنها لم تنته، وغالب الظن أن المعركة من ضمن جولات الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي وقد تتكرّر، كون "الحل المفترض" لم يلحظ مستقبل الفلسطينيين وسلطتهم في غزّة والضفة والقدس.
"النهار" سألت أستاذة التاريخ العربي المعاصر ومديرة مركز الدراسات الفلسطينية في جامعة ساو باولو في البرازيل (USP) أرلين كليمشا عن أفق حلول الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي، وخصوصاً "حل الدولتين" الذي تمسّك به المجتمع الدولي لوقت طويل، والذي ما عاد قابلاً للتطبيق في ظل سيطرة إسرائيل على الأراضي الفلسطينية إما سياسياً أو أمنياً.
عودة الحرب محتملة
آفاق السلام الدائم "قاتمة" وفق ما ترى كليمشا، لأن الفلسطينيين "لم يمنحوا حق الحكم الذاتي". تنطلق من اتفاق وقف النار الذي "لم يتضمّن أي إشارة لإنهاء الاحتلال"، إذ لا إطار زمنياً لانسحاب إسرائيل من القطاع، وقد غابت عنه "الرؤى المبدئية لمرحلة انتقالية نحو الدولة الفلسطينية"، أما قوة الاستقرار الدولية، فقد توفّر "حماية جزئية" لكنها لا "تشرك" أي قيادة فلسطينية في عملها.
القوى الفلسطينية غائبة عن المشهد، ومعها احتمالات تشييد الدولة الفلسطينية التي تشكّل مفتاح إنهاء الصراع، خصوصاً في ظل عمليات إضعاف السلطة الفلسطينية وتشتيتها. تغييب القوى الفلسطينية عن حكم غزّة تقرأه كليمشا على أنّه "انتداب دولي"، ويذكّرها بفشل عملية اجتثاث "البعث" في العراق، حين أدّى غياب المشاركة الواسعة للمجتمع المدني المحلي إلى العنف الطائفي وعدم الاستقرار.
حالة عدم الاستقرار التي تتحدّث عنها كليمشا تفتح الباب أمام تساؤلات حيال احتمالات عودة الحرب، وإن بأشكال مختلفة كون فائض القوة العسكرية الإسرائيلية فرض نفسه على وقائع الميدان. وترصد عوامل أخرى تعزّز احتمالات عودة الاشتباك، كالدعم السياسي والديبلوماسي والعسكري الذي وفرته واشنطن لتل أبيب، وتعتبر أن غياب أفق حقيقي لتحويل الهدنة إلى سلام دائم مردّه الى أن "النية هي إدارة الصراع وليس حلّه".
لا سلام برغبة أميركية
لا مشروع سلام يطرحه الأميركيون ويريده الإسرائيليون، ولا جهود حقيقية لحل الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي. فالولايات المتحدة تستثمر في حالة عدم الاستقرار في الشرق الأوسط لفرض سيطرتها السياسية والأمنية، وإسرائيل تستفيد من حروبها المستمرّة لتوسيع نفوذها ومساحتها. وغياب الإرادتين الأميركية والإسرائيلية يعني غياب أفق الحل الحقيقي.
كليمشا تربط "فرص السلام الحقيقي" بعاملين أساسيين: نيات إسرائيل ونيات ترامب. النيات الإسرائيلية لا تشي بسلام وحلّ، وتذكّر كليمشا بإعلان إسرائيل نيتها ضمّ الضفة الغربية وطرد كل فلسطيني يُبدي مقاومة، وإفراغ قطاع غزة من سكّانه. أما الحكومة الأميركية، فتحرّكها فكرة التحكّم الإقليمي والاستغلال الاقتصادي، وترفض مبادرات حلول القضية الفلسطينية والصراع مع إسرائيل.
العودة إلى التاريخ طريق لقراءة المشروع الإسرائيلي المرتبط بفلسطين بشكل أوضح. تذكّر كليمشا بأن النخبة الإسرائيلية ناقشت كيفية تقسيم الضفة لا كيفية إنهاء الاحتلال خلال ذروة "عملية السلام"، وبنت المستوطنات، وسيطرت على مواقع استراتيجية، وكلها خطوات تشير إلى أن إسرائيل لا تنوي الانسحاب من مناطق احتلتها ولا تريد قيام دولة فلسطينية.
تبدل السياسة الإسرائيلية
أهداف الائتلاف اليميني المتطرف الذي يقود إسرائيل ومعه التيار الديني الأصولي لا تشمل قيام دولة فلسطينية، وفق ما تقول كليمشا، التي لا تستبشر خيراً حتى ولو تبدّلت هوية الجهة الحاكمة ووصلت قيادة إسرائيلية أقلّ تطرّفاً – وهو احتمال ضعيف في المدى القريب – لأن أفضل السيناريوات قد يكون "قيام كيان فلسطيني مصغّر على أقلّ من 39 في المئة من مساحة الضفة الغربية".
في المحصلة، فإن اتفاق ترامب لا يحمل في طيّاته مشاريع سلام مستدامة، بل حلول موقتة تنهي الحرب وتمنحه تقدماً تكتيكياً سياسياً. ووفق الوقائع والمشهدية العامة، لا إشارات إلى أن ثمّة مشاريع سلام حقيقية في المنطقة، ولا نيّة واضحة لإيجاد الحلول للقضية الفلسطينية، خصوصاً أن استمرار حالة الحرب الممتدة من عام 1948 استثمار أميركي وغربي كبير.