تُشكل مسألة "اليوم التالي" في قطاع غزة، بعد إنهاء القتال  نقطة خلاف دولية ومحلية، خاصةً في ما يتعلق بالجهة التي ستملأ الفراغ الأمني والإغاثي والإداري.

في خضم هذه الجدلية، تبرز  العشائر الفلسطينية كأحد السيناريوهات المحتملة لإدارة الشؤون المدنية، خاصةً في ظل رفض الأطراف الدولية والإسرائيلية لعودة حكم حماس، وغموض دور السلطة الفلسطينية.

ازداد تداول هذا الطرح أخيراً بالتزامن مع توقيع اتفاقية التهدئة، حيث أطلقت تصريحات الرئيس الأميركي دونالد ترامب الأخيرة حول الأمن في القطاع شرارة نقاش جديد. فبينما تضمّنت خطته لغزة آليات أمنية دولية مؤقتة، أشار ترامب بشكل غير مباشر إلى تقبّله لخطوات حماس الأخيرة لإعادة فرض السيطرة والأمن الداخلي، إلا أنه عاد وهدّد بـ"قتل" عناصر الحركة إذا استمرّت بإجراءاتها في القطاع.

حماس: ندعم مشاركة العشائر في إدارة غزة
القيادي في حماس علي بركة، يؤكد "ثقة الحركة التامة بالدور الوطني للعشائر في قطاع غزة"، مشيراً إلى دعم الحركة لمشاركتها في الهيئة الوطنية المزمع تشكيلها لإدارة القطاع في المرحلة الانتقالية.

بركة ينفي أن تكون التوترات الأخيرة أدّت إلى قطيعة مع المكوّن العشائري، موضحاً أن الإجراءات الأمنية كانت موجهة فقط ضد "العملاء والجواسيس واللصوص".

وفي ردّه على التساؤلات بشأن إمكانية دعم ترامب لبعض العشائر لملء الفراغ الأمني والإغاثي، يقول بركة: "العشائر لها دور مهم في غزة، وقد استطاعت منع الحرب الأهلية بعد وقف إطلاق النار والدمار".

وأضاف أن "محاولات بعض الجهات، خاصةً في السلطة الفلسطينية وإسرائيل، لتحريض العشائر على حماس والمقاومة قد قوبلت بالرفض التام من قبل العشائر".

يوضح بركة أن العشائر أيّدت الإجراءات الأمنية التي اتخذتها وزارة الداخلية والشرطة في غزة ضد "العملاء والجواسيس واللصوص" الذين حاولوا سرقة قوافل المساعدات، مؤكداً أن "موقف العشائر كان حاسماً لصالح الأمن والاستقرار ولمنع الفلتان الأمني".

وتابع: "نحن نثق بالعشائر في غزة وبدورها الوطني، والعشائر لديها إطار لها هو الهيئة العليا للعشائر، ولها دور وطني حقيقي كحاضنة للمقاومة وصمام أمان لمنع الفتن الداخلية".

الهيئة الوطنية الانتقالية ودور العشائر في الإدارة
وفي سياق الحديث عن مستقبل حكم القطاع، أكد القيادي في حماس أن الحوارات الحالية (في إطار المرحلة الثانية من التسوية) تتحدث عن تشكيل "هيئة وطنية لإدارة غزة". وشدد على موقف حماس المؤيّد لمشاركة العشائر في هذه الهيئة، قائلاً: "نحن مع مشاركة العشائر في هذه الهيئة، ومع مشاركتها في الحوار الوطني الذي كُلّفت مصر برعايته في القاهرة".

وعن طبيعة هذا الدور، قال: "الهيئة معنية بإدارة المؤسسات الحكومية في غزة والإشراف على إعادة الإعمار، وهي مرحلة انتقالية محدودة المدة لحين إجراء انتخابات رئاسية وتشريعية. لا أحد يقول إن الملفّ سيُسلَّم للعشائر بالكامل، لكن لا يمكنك استثناء العشائر من إدارة قطاع غزة".

وفي ما يتعلق بالتصفيات الميدانية التي حدثت، والتي اتُهمت حماس من البعض بأنها تستهدف قطع الطريق على أي دور مستقبلي للعشائر، رفض بركة هذا الطرح جملة وتفصيلاً، مؤكداً: "نحن نريد أن نميّز بين الجواسيس والعملاء وبين العشائر. العشائر تبرّأت من أبنائها الذين خرجوا عن الصف الوطني".

غزة. (ا ف ب)

 السيطرة "الحمساوية" ثابتة في غزة
من القدس، يرى أستاذ النزاعات الإقليمية علي الأعور أن المرحلة الأولى من خطة ترامب لغزة، التي شملت تبادل الأسرى (الأحياء)، وفتح المعابر، وإدخال المساعدات، وانسحاب الجيش الإسرائيلي إلى "الخط الأصفر"، قد "تمّت بنجاح". لكن إسرائيل تماطل في البدء بالمرحلة الثانية، مشترطة استعادة جميع الجثامين.

على الصعيد الأمني، ينفي الأعور وجود "فراغ أمني" في غزة، مؤكداً أن "حماس استعادت السيطرة سريعاً على المناطق التي انسحب منها الجيش الإسرائيلي عبر إعادة انتشار الشرطة الفلسطينية التابعة لها". وقد "نفذت الحركة إعدامات ميدانية بحق المتعاونين، قبل أن تتوقف عنها لاحقاً بعد تهديد من ترامب".

وفي ما يخص سلاح حماس، لا يوجد قرار عربي أو مصري بنزع السلاح بالكامل، بل بـ"ضبطه" أو "تجميده" مع الإبقاء على السلاح الفردي. والأهم من ذلك، يرى ترامب أن وجود حماس في هذه المرحلة ضروري لمنع الفوضى والحرب الأهلية، يقول الأعور.

"حماس" ترفض دور العشائر: ستقاتل من أجل البقاء
يؤكد الأعور أن حماس لن تتخلى عن مسؤوليتها الأمنية والسياسية في قطاع غزة، وهي تستعد للمرحلة القادمة عبر "خطاب سياسي" يضمن لها موقعاً في النظام السياسي الفلسطيني.

ويشدد على أن حماس هي القوة المسيطرة الوحيدة على القطاع منذ 17 عاماً، والعشائر والوجهاء هُمّشوا تماماً منذ عودة السلطة الفلسطينية عام 1994، ولا يمكنهم تشكيل أيّ بديل أمني لحماس.

ويحذر الأعور من أن حماس لن تسمح لأيّ جهة فلسطينية محلية مسلحة، بما في ذلك العشائر، بالسيطرة الأمنية على غزة دون موافقتها، وستقاتل من أجل بقائها.

أما عن القوات الدولية والعربية المقترحة، فيرى أنها ستكون على شكل "شرطة فلسطينية محلية" بإشراف دولي/عربي، ولكن حماس ستبقى هي المسيطرة أمنياً على الأرض.

ويُحذّر الأعور من أن غياب التنسيق مع حماس بشأن هذه القوات قد يؤدي إلى "حرب داخلية" في القطاع.