تركيا تعيد رسم المعادلة الأمنية شمال سوريا

المشرق-العربي 10-10-2025 | 06:32

تركيا تعيد رسم المعادلة الأمنية شمال سوريا

تشير مصادر "النهار" إلى تقارب في الرؤى بين دمشق والإدارة الذاتية في ما يخصّ مسألة دمج "قسد" بدعم أميركي، مع التركيز على "الدور التركي السلبي" في هذه المسألة.
تركيا تعيد رسم المعادلة الأمنية شمال سوريا
وزير الخارجية التركي هاكان فيدان يصافح وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني في أنقرة. (أ ف ب)
Smaller Bigger

في خضمّ مناقشات ملفّ غزة وخطّة ترامب للسلام، شهدت حلب ليل الاثنين تصعيداً وُصف بـ"المضبوط" بين القوات الأمنية التابعة لدمشق وتلك التابعة للإدارة الذاتية في أحياء الشيخ مقصود والأشرفية ذات الغالبية الكردية.
التصعيد، الذي جاء بعد زيارة أميركية رفيعة المستوى إلى شمال وشرق سوريا، وقبيل لقاء مسؤولي الإدارة الذاتية مع دمشق، تبعته زيارة خاطفة لوزير الخارجية السوري أسعد الشيباني إلى أنقرة، وتضمّنت رسائل سياسية وعسكرية تركية – سورية مزدوجة.

تصعيد حلب المحدود... رسالة سياسية محسوبة
استبقت الإدارة الذاتية لقاء دمشق بنشر صور تُظهر "الأجواء الإيجابية" التي خيّمت على زيارة الوفد الأميركي المكوّن من المبعوث الأميركي إلى سوريا توم براك، برفقة قائد القيادة المركزية الأميركية (السينتكوم) الأدميرال براد كوبر، تأكيداً على استمرار دعم واشنطن لقوات سوريا الديموقراطية (قسد)، ولا سيّما الجناح العسكري والأمني في الإدارة الأميركية.
خطوة ردّت عليها دمشق بالتصعيد في حلب، لكن مع إبقاء نطاق الاشتباكات مضبوطاً إلى حدٍّ كبير، على عكس ما شهدته مناطق سورية في السابق مثل الساحل والسويداء، ما يعزّز فرضية كونها ورقة ضغط استخدمتها الحكومة السورية قبيل وصول وفد الإدارة الذاتية إلى دمشق.
تُعتبر أحياء حلب الخاصرة الرخوة للإدارة الذاتية لأسباب عدّة:
- هذه الأحياء تخلو من أيّ وجود لـ"قسد"، التي انسحبت منها بموجب اتفاق 10 آذار/ مارس.
- رغم وجود الإدارة الذاتية الفعلية القائمة في الحيَّين، فإنها تبقى هشّة بالنظر إلى كون المنطقتين محاصرتين بجغرافيا واسعة تسيطر عليها دمشق، إذ تبعد أقرب منطقة تسيطر عليها "قسد" أكثر من 50 كلم.
- تتحكّم قوات دمشق بالطرق المؤدية إلى الحيَّين، ما يمنحها إمكانية إطباق الحصار عليهما كأداة ضغط فاعلة.
تشير مصادر الإدارة الذاتية التي تحدّثت إليها "النهار" إلى أن اجتماع دمشق لم يُحقّق تقدّماً فعلياً على أرض الواقع، ولم يُسفر عن توقيع أيّ اتفاق، مع التأكيد على "الأجواء الإيجابية" التي سادت اللقاءات.
اللقاء، الذي لم يشارك فيه الوسيطان الأميركي والفرنسي، بحسب مصادر "النهار"، ناقش المسائل العامة، وعلى رأسها دمج "قسد" وقوى الأمن الداخلي، ومطالب التعديلات الدستورية واللامركزية، وملفّات عملية كوقف إطلاق النار وفكّ الحصار عن أحياء حلب وعودة أهالي عفرين وغيرها.

 

الرئيس السوري أحمد الشرع في اجتماع مع المبعوث الخاص إلى سوريا توم براك وقائد القيادة المركزية الأميركية الأدميرال براد كوبر، في دمشق. (أ ف ب)
الرئيس السوري أحمد الشرع في اجتماع مع المبعوث الخاص إلى سوريا توم براك وقائد القيادة المركزية الأميركية الأدميرال براد كوبر، في دمشق. (أ ف ب)

 

اتّهامات كردية لأنقرة
تشير مصادر "النهار" إلى تقارب في الرؤى بين دمشق والإدارة الذاتية في ما يخصّ مسألة دمج "قسد" بدعم أميركي، مع التركيز على "الدور التركي السلبي" في هذه المسألة، فيما يبدو الجانب الأميركي مركّزاً إلى حدٍّ كبير على ملفَّي دير الزور والسيطرة على البوّابات الحدودية.
"الدور التركي السلبي" الذي تصرّ عليه الإدارة الذاتية، عبّر عنه أيضاً القيادي بدران جيا كرد الذي اتّهم فصائل "الجيش الوطني" المدعومة من أنقرة بعدم الإلتزام بالهدنة المعلَنة.
ونشر جيا كرد على مواقع التواصل الإجتماعي أن "التصعيد والتحشيد، وكذلك فرض الحصار المستمر ضد الحيَّين (الأشرفية والشيخ مقصود)، يؤكد مجدداً أن الفصائل المسلّحة المدعومة من أنقرة لا تلتزم بقرارات السلطات الموقتة، بل تنفّذ أجندات خارجية تتعارض مع المصلحة الوطنية السورية".
وطالب جيا كرد "الوسطاء الدوليين والإقليميين بالضغط على أنقرة من أجل وقف تدخلاتها في الشأن السوري، وأن يضطلع هؤلاء الوسطاء بدور فاعل في تهدئة التصعيد، تمهيداً للتوصل إلى حلول توافقية ومستدامة بيننا وبين دمشق بعيداً عن أيّ تدخل خارجي (...) وعن الإملاءات والتجاذبات الإقليمية".

دمشق بين الصرامة التركية والحلّ البراغماتي
في خضمّ هذه التوترات، تسعى أنقرة لتثبيت معادلة جديدة في الشمال السوري.
دعا وزير الخارجية التركي هاكان فيدان مؤخّراً إلى "استبعاد قسد من الحرب ضد داعش"، في إشارة واضحة إلى رغبة تركيا في إعادة صياغة الدور الأمني شمال سوريا.
لا تبدو الولايات المتحدة، حتى الساعة، مستعدّة لمنح تركيا هذا الدور. ورغم محاولات الأخيرة ملء فراغ أميركي محتمل، إلا أنها تفتقر إلى أدوات الاستقرار. وبينما تتحدث عن محاربة الإرهاب، تتبنّى خطاباً يرفض أيّ شكل من أشكال الإدارة الذاتية الكردية، ما يجعلها في خلاف مع واشنطن التي عبّرت مؤخراً، على لسان براك، عن إمكانية النظر في حلول "ما دون الفيديرالية" في سوريا.
تصرّ الإدارة الذاتية، المدعومة من قبل تيارات أميركية واسعة، على أن "العودة إلى الدولة المركزية الصارمة لم تعد ممكنة في سوريا، وأن اللامركزية هي الحلّ الواقعي للحفاظ على وحدة البلاد".
هذا الموقف الأميركي غير المعلن رسمياً يقابله تحوّل براغماتي في التفكير السوري مقارنة بالموقف التركي المتصلّب، وفيما تطالب أنقرة بنزع سلاح "قسد" ودمجها في الجيش السوري كأفراد، تدرك دمشق أن الحلّ العسكري الشامل غير ممكن، وأن استيعاب الأكراد سياسياً واقتصادياً هو الطريق الوحيد لتفادي تقسيم فعلي للبلاد.
تُشكّل "قسد" نواة لقوة سياسية وعسكرية لا يمكن تجاوزها، ومحاولة دمجها في الدولة السورية بالقوة سيُعيد إشعال الصراع، بينما يُعتبر تفكيكها من دون حرب إقليمية أشبه بالمهمة المستحيلة.
في مقالٍ بموقع "معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى"، رأى المبعوث الأميركي السابق إلى سوريا جيمس جيفري أن الحلّ الواقعي في سوريا يكمن في إجراءات بناء ثقة تدريجية، مثل تسليم بعض المناطق العربية كدير الزور إلى إدارة مشتركة، مقابل الحفاظ على الحكم الذاتي في المناطق الكردية.
هذا الطرح يعكس تحوّلاً أميركياً تدريجياً من منطق السيطرة إلى منطق الإدارة المشتركة، وهو ما قد يشكّل نواةً لحلٍّ سياسي طويل الأمد، ولو خارج إطار مؤسسات الدولة السورية الرسمية.
يمكن اعتبار الرهان الأميركي على إدارة الأزمات لا حلّها، قاسماً مشتركاً بين كلٍّ من سوريا وغزة. يسعى ترامب لتوظيف غزة في معركته للحصول على "نوبل للسلام"، فيما تواصل واشنطن في سوريا سياسة "التجميد الاستراتيجي" التي تُبقي الصراع تحت السيطرة من دون تسوية.
في المقابل، تتحرّك تركيا كقوة إقليمية تبحث عن مساحة أوسع من النفوذ، في وقتٍ تبدو فيه دمشق منشغلة بتثبيت حضور رمزي أكثر منه فعلي، وهو ما انعكس في المؤتمر الصحافي المشترك بين فيدان ونظيره السوري من خلال اللغة التركية الأكثر صرامة، مقابل الخطاب الأكثر هدوءاً للشيباني.
رغم حديث كلّ الأطراف عن الحلول السياسية، إلا أن الوقائع على الأرض توحي بأن "الاستقرار الموقت" سيبقى العنوان العريض لسوريا ما بعد الحرب، ريثما تنضج تسويات أكبر تتجاوز حدود حلب إلى خريطة إقليمية يُعاد رسمها من غزة إلى الفرات.

العلامات الدالة

الأكثر قراءة

المشرق-العربي 10/8/2025 3:44:00 AM
أقدم شقيق النائب الأردني السابق قصي الدميسي على إطلاق النار من سلاح رشاش تجاه شقيقه عبد الكريم داخل مكتبه، ما أدى إلى وفاته على الفور.
المشرق-العربي 10/9/2025 5:51:00 AM
حذّر أدرعي سكان قطاع غزة من العودة إلى المنطقة التي تقع شمال وادي غزة
اقتصاد وأعمال 10/8/2025 7:17:00 PM
ما هو الذهب الصافي الصلب الصيني، ولماذا هو منافس قوي للذهب التقليدي، وكيف سيغير مستقبل صناعة المجوهرات عالمياً، وأهم مزاياه، وبماذا ينصح الخبراء المشترين؟