ترامب يرسم خطّة سلام غزة: هل يُقصي الصّين ديبلوماسياً؟

تتجّه الأنظار هذا الأسبوع إلى شرم الشيخ في مصر، حيث تُعقد جولة مفاوضات جديدة بين إسرائيل وحركة "حماس" على قاعدة خطّة الرئيس الأميركي دونالد ترامب بشأن إنهاء الحرب في غزة، بالتزامن مع دخول الحرب سنتها الثالثة.
بادر ترامب الشهر الماضي إلى طرح خطّته المؤلفة من 20 بنداً على قادة عرب وإسلاميين توقف إطلاق النار وتؤسّس لمرحلة جديدة أبرز عناوينها السلام و"حماس" بدون سلاح. بعد توقّف مسار المفاوضات لأشهر عدّة وضربة الدوحة، ترسم مباردة ترامب زخماً جديداً مع سعي واضح من الأطراف المؤثّرة، وعلى رأسها مصر وقطر، إلى الوصول لنتيجة واحدة: وقف الحرب.
أمام كل هذه التطوّرات المتسارعة، تغيب دول كبرى عن المشهد في الشرق الأوسط. الغائب الأبرز الصين، خصوصاً بعد خطّة ترامب. فمواقفها المعلنة منذ بدء هذه الحرب واضحة، إذ تدعو لتنفيذ قرارات الأمم المتحدة والتوصّل فوراً إلى وقف لإطلاق النار شامل والإفراج عن كلّ المحتجزين والحدّ من الأزمة الإنسانية.
تدور تساؤلات عدّة عن الموقف الصيني لما له من ثقل في الأزمات التي تعصف بدول العالم. فإلى جانب غزة وحربها، تشهد أوروبا تطوّرات خطرة مع استمرار حرب "الحليف" روسيا على أوكرانيا، مع خرق مسيّرات أجواء دول أوروبية عدّة في مشهد قد يبدّل مسار الصراع المستمر منذ 2022. فأين بكين من تطوّرات غزة مع خطّة الرئيس الأميركي؟ وهل من خطوات صينية مرتقبة؟
"قوّة سلام"
يعتبر رئيس الرابطة العربية الصينية للحوار والتواصل وارف قميحة أن "الصين تتابع ما يُطرح بشأن غزة من منطلق ثابت يقوم على دعم العدالة والسلام، لكنّها لا تنخرط في أي خطّة تُفرض بالقوّة أو تتجاهل الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني"، ويضيف: "أكّدت الخارجية الصينية أن غزة جزء لا يتجزأ من الأراضي الفلسطينية، وأن مستقبلها يجب أن يقرّره الفلسطينيون أنفسهم. لذلك، فيما رحّبت الصين بأي جهد دولي يسهم في تهدئة التوتّر، فإنّها رفضت بوضوح اقتراح ترامب بأن تتولّى الولايات المتحدة السيطرة على غزة أو تُفرض ترتيبات خارجية على الفلسطينيين".
يزيد التوتّر بين البلديَن العملاقَين، وكان آخر جولاته الرسوم الجمركية التي فرضها ترامب على التنين الصيني ورد بكين برسوم مضادّة، إلى أن توصّل البلدان إلى هدنة تجارية "موقتة"، بالإضافة إلى مفاوضات بشأن منصّة "تيك توك" الصينية التي أحرزت فيه الدولتان اتّفاقاً بأن يكون للمنصّة مالك أميركي.
وعن التسابق الديبلوماسي بين الدولتين، يرى قميحة، في حديث لـ"النهار"، أن "إدارة ترامب تسعى لاستعادة الهيمنة الأميركية في الملفات الدولية الحسّاسة، والشرق الأوسط أحدها، بما في ذلك ملف غزة. لكن استبعاد الصين لم يعد ممكناً، فبكين أصبحت لاعباً معترفاً به في قضايا المنطقة وتربطها علاقات متوازنة مع مختلف الأطراف العربية والفلسطينية وكذلك مع إسرائيل، وتُقدِّم نفسها كقوّة سلام لا كقوّة هيمنة". ويتابع: "الصين ليست طرفاً في الصراع بل طرف يدعو للحوار والعدالة. ومن هذا المنطلق، يمكن القول إنّ محاولات واشنطن لإقصاء الصين محدودة التأثير لأن بكين رسّخت لنفسها دوراً مقبولاً ومطلوباً لدى الأطراف العربية والإسلامية".
في السياق، يشدّد رئيس معهد طريق الحرير للدراسات والأبحاث على أن "الصين تمتلك قدرات ديبلوماسية وتنموية وإنسانية كبيرة تجعلها شريكاً فاعلاً في أي عملية سلام حقيقية، كالمبادرات السياسية والديبلوماسية عبر الأمم المتحدة ومجلس الأمن، أو المساهمة في إعادة إعمار غزة، فتكون شريكاً أساسياً في مرحلة ما بعد الحرب، بالإضافة إلى الدعم الإنساني والإغاثي عبر التعاون مع المنظّمات الأممية والإقليمية".
"الوحدة الفلسطينية"
قادت الصين وساطة بين الفصائل الفلسطينية عُرفت بـ"إعلان بكين" في تموز/يوليو عام 2024، جمعت 14 فصيلاً فلسطينياً وفي مقدّمتها "فتح" و"حماس"، ووقّعت على وثيقة وحدة وطنية جديدة.
يؤكّد قميحة أن "الصين ملتزمة تماماً بهذا المسار، وهو ما أكّده وزير الخارجية وانغ يي خلال مراسم توقيع الإعلان، فوُقِّع برعاية صينية دعا لإنهاء الانقسام الفلسطيني وتوحيد الصف الوطني تحت مظلّة منظّمة التحرير. ومن الواضح أن بكين تنوي متابعة هذا الملف من خلال استمرار الحوار مع الفصائل وتوفير بيئة ديبلوماسية داعمة للتقارب الفلسطيني الداخلي".
ويلفت إلى أن "الصين تؤمن بأن الوحدة الفلسطينية شرط أساسي لنجاح أي عملية سلام حقيقية، وهي مستعدّة لتوظيف مكانتها الدولية وعلاقاتها المتوازنة لدعم هذا الهدف النبيل. من الواضح أنّ الصين، في تعاملها مع القضية الفلسطينية وأزمات الشرق الأوسط، لا تنطلق من حسابات مصلحية ضيّقة بل من رؤية شاملة تقوم على العدالة والاحترام المتبادل وعدم التدخّل في الشؤون الداخلية".
مع كل التطوّرات الحاصلة، يوضح قميحة أنّ "الصين، بفضل سياستها المتّزنة ومصداقيتها لدى جميع الأطراف، قادرة على أن تكون جسراً حقيقياً للسلام في المنطقة، ومحرّكاً فاعلاً لإعادة الأمل في مستقبل أكثر استقراراً وعدلاً للشعوب العربية، وللشعب الفلسطيني بخاصّة".
ويختم: "إن بكين تنطلق من قناعة بأن السلام في الشرق الأوسط أساس للاستقرار العالمي، وأن الحل لا يمكن أن يكون إلا سياسياً وعادلاً، بعيداً من منطق القوّة. وهي تطرح رؤية متكاملة تقوم على: احترام سيادة الدول وعدم التدخّل في شؤونها الداخلية، التنمية المشتركة من خلال مبادرة الحزام والطريق وتعزيز الحوار الحضاري وتخفيف التوتّر عبر الوساطة، كما فعلت بين السعودية وإيران عام 2023".