نتنياهو يعتذر لقطر: إذلال سياسي أم مناورة للهروب من الضغوط؟

فاطمة خليل
نتنياهو، المعروف بعناده ورفضه الاعتذار حتى لشعبه عن كوارث داخلية كأحداث السابع من أكتوبر أو مقتل معتقلين، قدّم اعتذاراً غير مسبوق لقطر بعد مقتل حارس أمن خلال عملية إسرائيلية. هذه الخطوة الاستثنائية تثير تساؤلات حول دوافعها: هل جاءت بضغط أميركي لإصلاح العلاقة مع قطر، الفاعلة في ملف غزة، أم أنها محاولة للهروب من أزماته الداخلية وتصاعد الانتقادات لسياساته التي عزلت إسرائيل دولياً؟
منذ الحرب العالمية الثانية، جعلت إسرائيل الهولوكوست ركيزة لسرديتها السياسية، مقدّمة نفسها كضحية أبدية تستحق دعماً مطلقاً. فهي تعتبر أن "العالم مدين لها" مالياً وتسليحياً وحتى بصمته عن تجاوزاتها. نتنياهو بدوره يوظّف هذه السردية دولياً لتبرير سياساته ورفض الانتقادات، لكنه في المقابل لا يعتذر لشعبه ولا يتحمّل مسؤولية إخفاقاته الأمنية والسياسية، ما يكشف تناقضاً صارخاً بين خطابه الخارجي وممارساته الداخلية.
يشبّه المؤرخ الإسرائيلي إيران شلف، في مقالة نشرتها صحيفة "يديعوت أحرونوت" اعتذار نتنياهو بمشهد "كانوسا" في 1077، حين وقف الإمبراطور هنري الرابع مهاناً أمام البابا طالباً الصفح. الفارق أن نتنياهو اكتفى بمكالمة هاتفية، برعاية الرئيس الأميركي. لكن النتيجة واحدة: زعيم اعتاد رفع شعار القوة، يجد نفسه مضطراً لتقديم وعود وضمانات لدولة كان يهاجمها علناً قبل سنوات.
لم يأت اعتذار نتنياهو من فراغ، بل بضغط مباشر من واشنطن التي ترى في قطر لاعباً لا غنى عنه في أي مسار يتعلق بغزة. لكن في الداخل الإسرائيلي، يقرأ كثيرون هذه الخطوة كهروب سياسي، إذ يختار نتنياهو الانحناء للخارج مقابل التشبث بالعناد داخلياً، في محاولة لتخفيف الغضب الشعبي وصرف الأنظار عن إخفاقاته.
ليس اعتذار نتنياهو لقطر مجرد تفصيل دبلوماسي، بل انعكاس لوضع سياسي مأزوم. فإسرائيل التي اعتادت أن تفرض شروطها على الآخرين، وجدت نفسها مضطرة للتنازل، فيما ظهر نتنياهو لأول مرة في صورة المنحني تحت الضغط. قد لا يكون هذا سوى بداية لتآكل الصورة الصلبة التي بناها لنفسه طيلة عقود.