اليوم التالي لغزة: تثبيت التهدئة أو استكمال الحرب!

على رغم انطلاق مسار إنهاء الحرب على غزة وفق الموافقات المبدئية لكل من إسرائيل و"حماس" على اقتراح الرئيس الأميركي دونالد ترامب وبدء المفاوضات من أجل ذلك، فإن ثمة حذراً كبيراً من المراقبين الديبلوماسيين والسياسيين على حد سواء إزاء النتائج المرتقبة وتنفيذ النقاط التي وردت في الاقتراح. إذ أن الشروط مترابطة ببعضها البعض وثمة الكثير من العقبات فيما أن الضمانة التي يشكلها الرئيس الأميركي للاتفاق ، أقله وفق تعبير لوزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي الذي قال إن "الضمانة الأولى لتنفيذ خطة الرئيس الأميركي دونالد ترامب لوقف الحرب في غزة هي الرئيس ترامب نفسه"، تحتمل شكوكاً كبيرة . فإذا أخذت مقاربة الرئيس الأميركي لموضوع الحرب في أوكرانيا على سبيل المقارنة مثلاً ، فإن مراقبين كثراً يخشون أن يغير من مقاربته وضغوطه الحالية على إسرائيل وعلى "حماس" في حال برزت معوقات كبيرة وجدية سيما وأن الاهتمام لن يبقى على الوتيرة نفسها إذا تراجعت الحرب وأعيد الرهائن الإسرائيليون لدى "حماس" بل هو سيفقد الاهتمام . وتالياً فإن الرئيس الأميركي بات راهناً في ظل ظروف الضغوط التي يمارسها من أجل إقلاع مسار الحل في غزة قادراً على أن يسجل أو يعلن ذلك انتصاراً له . وهذا تحقق له منذ الآن فيما أن ما يمكن أن يحصل لاحقاً أو أن تعود الأمور كما كانت ليس احتمالاً بعيداً. وواقع الأمور أن جميع اللاعبين وهم في حالة غزة الى اسرائيل وحركة " حماس" الدول الاقليمية والعربية ، على إدراك كبير بطبيعة مقاربة الرئيس الأميركي وأنهم لا يمانعون في توفير المجال له لأن يعلن تحقيقه انتصاراً معيناً وكبيراً في موضوع غزة لا سيما إذا كان يلاقي أهدافاً آنية أو بعيدة المدى بالنسبة إلى كل منهم . إذ بات كل من طرفي الحرب في مأزق كبير وليس مستبعداً أن يكون كل منهما يحاول كسب الوقت عبر الموافقة أو عدم رفض اقتراح الرئيس الأميركي نظراً للتبعات الخطيرة لذلك الرفض فيما يحتاج كل منهما إلى توجيه الضغط على الآخر.
لكن هذا الواقع لا يختصر مسار الأمور فيما أن متغيراً أساسياً وكبيراً قد يدخل على اللعبة السياسية متى تمت استعادة الرهائن الإسرائيليين خصوصاً أن الذرائع التي ترفعها الحكومة الإسرائيلية لمواصلة حربها كما في السابق ستضعف إلى حد كبير في الداخل الإسرائيلي على الأقل على ضوء التحضير للانتخابات السنة المقبلة ، من دون أن يعني ذلك في أي حال إطلاق مسار الدولة الفلسطينية. فهذا أمر آخر والتعقيدات أكثر من أن تحصى في هذا الإطار. وفي غياب الوضوح على هذا المسار ، ثمة أسئلة كبيرة تثار إزاء ما هو التالي بعد غزة وهل ستكون هناك عملية تهدئة من أجل تثبيت الواقع الجديد الذي أرسته مكاسب إسرائيل في دول الجوار لا سيما في لبنان وسوريا وتالياً بدء مسار مماثل من أجل تحقيق ذلك، أم لا يزال هناك نية لدى رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو من أجل استكمال معادلة التنظيف العسكري التي لا يزال يعتمدها بوتيرة متقطعة إزاء اليمن كما إزاء " حزب الله" في لبنان وحتى إزاء إيران . وهذا السؤال يمثل وجهتي نظر متناقضتين في الواقع مع مبررات وتفسيرات لكل منهما تبعاً لاستناد البعض إلى معطيات تفيد بأن ما قامت به حكومة نتنياهو حتى الآن استنفذ أغراضه وأن هناك حدوداً تحول دون الذهاب أبعد من ذلك على قاعدة أن أبعد ما يمكن أن يذهب إليه هو السعي إلى تثبيت المكاسب التي حققها والستاتيكو الجديد بتفاهمات أو اتفاقات مع سوريا أولاً على الأرجح ثم مع لبنان . فيما يعتبر بعض آخر آن عدم استكمال إنهاء ما بدأه لا سيما في إنهاء أذرع إيران قد يهدد بعودتها في وقت ما ، علماً أن الوقائع والحقائق الاستخباراتية وحتى الديبلوماسية تشي بواقع مختلف عن المواقف والتهديدات المعلنة . وهذا ينطبق في شكل خاص على إيران وأذرعها في المنطقة كما ينطبق على سائر اللاعبين الآخرين.
ويصعب من الآن الجزم بأي اتجاه يمكن أن تسلكه الأمور.