غزّة بين القصف والمفاوضات... شرم الشيخ محطة حاسمة لخطة ترامب

على وقع الغارات الإسرائيلية المكثفة شمال قطاع غزة والإنذارات المتواصلة للسكان بعدم العودة إلى مناطقهم المدمّرة، تتجه الأنظار نحو شرم الشيخ حيث يُتوقع أن تُعقد جولة جديدة من المفاوضات لوقف إطلاق النار، وفق ما أفادت القناة 13 العبرية.
المصادر الإسرائيلية أشارت إلى أن البعثة التفاوضية لن تتوجه إلى قطر بسبب التوتر القائم، وأن القاهرة ستكون المحطة الأقرب لبدء المحادثات، بمشاركة وفود أميركية. وفي إسرائيل، بدأت التحضيرات العملية لهذه الجولة، بما في ذلك إعداد خرائط الانسحاب وقوائم الأسرى المحتمل إدراجهم ضمن أي صفقة تبادل، في ضوء خطة ترامب التي تحدثت عن الإفراج عن 250 أسيراً محكوماً بالمؤبد.
ووفق القناة 12 الإسرائيلية، فإن المبعوث الأميركي ستيف ويتكوف في طريقه إلى مصر.
كما وأفاد مسؤول مصري رفيع المستوى بأنّ "محادثات تجري حالياً لإطلاق سراح الرهائن، إضافة إلى مئات السجناء الفلسطينيين المحتجزين في إسرائيل".
وأوضح المسؤول، الذي يشارك في مفاوضات وقف إطلاق النار، أنّ "الوسطاء العرب يستعدون لإجراء حوار شامل بين الفصائل الفلسطينية"،مشيراً إلى أنّ "أن هذه الجهود تأتي ضمن إطار مساعي الوساطة الدولية والعربية لتسهيل وقف إطلاق النار وضمان الإفراج عن جميع المحتجزين الفلسطينيين بشكل آمن ومنظم".
ورغم إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب أن موافقة حماس تشكّل فرصة فريدة، ترى أوساط إسرائيلية أن الحركة لم تعطِ موافقة واضحة، وأن واشنطن هي من دفعت بتصريحاتها لتأطير الاتفاق كـ"خطوة متفق عليها". مسؤولون إسرائيليون أكدوا أن الأيام المقبلة ستكون حاسمة: إما إطلاق عملية تبادل ووقف القتال، أو عودة المواجهات إلى مستويات أعنف.
وفي هذا السياق، كشف غرشون باسكين، أحد مهندسي صفقة شاليط، أن الولايات المتحدة تملك خططاً لنشر الجيش الإسرائيلي ميدانياً لتمكين حماس من جمع الأسرى وتسليمهم، ما يعكس حجم التعقيدات اللوجستية التي ترافق الملف.
لكن تقارير أخرى، نشرتها صحيفة معاريف، حذّرت من أن مقترح ترامب قد لا يكون أكثر من "خدعة سياسية" صيغت على مقاس التصوّر الإسرائيلي. فالخطة التي صاغها وزير الشؤون الاستراتيجية رون دارمر، وتبنّاها الكابينيت قبل أسابيع، تقوم على فرض خمس نقاط نهائية: نزع سلاح حماس، الإفراج عن جميع الرهائن، نزع سلاح القطاع كلياً، السيطرة الأمنية الإسرائيلية عليه، وإقامة إدارة مدنية بديلة.
بهذا المعنى، ترى التحليلات أن واشنطن منحت إسرائيل الغطاء لعرض رؤيتها كـ"خطة أميركية"، لتبدو تل أبيب رابحة في جميع السيناريوهات: تسوية وفق شروطها إن وافقت حماس، أو شرعية دولية متجددة لمواصلة الحرب إن رفضت.
إنذار
وقال الجيش الإسرائيلي في بيان إن "المنطقة الواقعة شمال وادي غزة ما زالت تعتبر منطقة قتال خطيرة"، مضيفاً أن البقاء فيها يشكل "خطراً كبيراً"، مشدداً على أن شارع الرشيد سيبقى مفتوحاً أمام المدنيين للانتقال جنوباً. وأضاف البيان أن "قوات الجيش الإسرائيلي لا تزال تطوّق مدينة غزة، حيث تشكل محاولة العودة إليها خطراً شديداً"، داعياً المدنيين إلى تجنب العودة شمالاً أو الاقتراب من مناطق العمليات العسكرية في مختلف أنحاء القطاع.
الجهاد الإسلامي
وفي موقف داعم لحماس، أعلنت حركة الجهاد الإسلامي الفلسطينية أن رد الحركة على خطة ترامب يعكس موقف قوى المقاومة الفلسطينية كافة، مؤكدة مشاركتها في المشاورات التي سبقت اتخاذ القرار. ومن شأن هذه الموافقة أن تسهّل عملية إطلاق سراح الرهائن المحتجزين لدى الحركتين في غزة. وأكد قيادي في حماس استعداد الحركة لبدء مفاوضات فورية لاستكمال القضايا العالقة.
ترامب
من جانبه، دعا الرئيس الأميركي دونالد ترامب إسرائيل إلى وقف قصف غزة "فوراً"، مشيراً إلى أن موافقة حماس على الإفراج عن الرهائن تشكل فرصة فريدة لتحقيق السلام. وقال ترامب عبر منصّته "تروث سوشال": "بناءً على البيان الصادر عن حماس، أعتقد أنهم مستعدون لسلام دائم. على إسرائيل أن تتوقف عن القصف فوراً حتى نتمكن من إخراج الرهائن بأمان وبسرعة".
وكان مكتب نتنياهو قد أعلن السبت أن إسرائيل "تتهيّأ للتنفيذ الفوري" للمرحلة الأولى من خطة ترامب، مؤكداً الاستعداد للتعاون الكامل مع الرئيس الأميركي وفريقه لإنهاء الحرب وفقاً للمبادئ الإسرائيلية.
ترحيب دولي
على الصعيد الدولي، رحّب قادة أوروبيون وعرب بتطورات الخطة. فقد وصف المستشار الألماني فريدريش ميرتس موافقة حماس بأنها "أفضل فرصة لتحقيق السلام"، فيما اعتبر رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر الخطوة "مهمة إلى الأمام". بدوره، أكد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أن "الإفراج عن الرهائن ووقف إطلاق النار في متناول اليد"، بينما رحّبت مصر وقطر بالقرار ودعتا الأطراف كافة إلى اغتنام الفرصة لإنهاء الحرب.
أما الأمم المتحدة، فأشادت بموقف حماس واعتبرته "مشجّعاً"، ودعا الأمين العام أنطونيو غوتيريش جميع الأطراف إلى الالتزام بالخطة والعمل على إنهاء الحرب المأساوية في غزة.
وبينما تتكثف الدعوات الدولية لوقف القتال، تواصل إسرائيل عملياتها العسكرية شمال القطاع، ما يطرح تساؤلات حول فرص نجاح الخطة الأميركية في الترجمة الفعلية على الأرض.