معضلة المياه بين العراق وتركيا... مفاوضات لامتناهية وحلول غير مستدامة

المشرق-العربي 06-10-2025 | 16:16

معضلة المياه بين العراق وتركيا... مفاوضات لامتناهية وحلول غير مستدامة

أصبح واضحاً نقص المياه وحتى ندرتها من خلال خلوّ مجاري الأنهار من الماء وانحساره عن مناطق غدت جافة بالكامل ومتشققة بعدما كانت مغمورة بالمياه وتمارس فيها أنشطة زراعية على نطاق واسع
معضلة المياه بين العراق وتركيا... مفاوضات لامتناهية وحلول غير مستدامة
رجل عراقي يبحر بقاربه في نهر دجلة في وسط بغداد، (أ ف ب).
Smaller Bigger

تواجه الحكومة العراقية انتقادات حادّة بعد إعلانها التفاوض مجدداً مع تركيا بشأن المياه، في ظل أزمة حادة تهدد الأمن المائي والبيئي للبلاد. ويرى منتقدون أن استمرار الحوار دون نتائج ملموسة يعكس فشلاً في فرض الحقوق المائية للعراق، وسط تصاعد تأثيرات الجفاف.

انتقدت أوساط سياسية وإعلامية عراقية بشدّة قرار حكومة رئيس الوزراء محمّد شياع السوداني إجراء المزيد من المفاوضات مع تركيا بهدف تأمين الكميات الضرورية لتلبية حاجة العراق من المياه في المدى المنظور. وجاء ذلك بعد الإعلان أخيراً عن اتفاق وزير الزراعة عباس المالكي ووزير الموارد المائية عون ذياب ووزير البيئة هَلو العسكري على التفاوض مع أنقرة لتأمين المياه للبلاد خلال الشهرين المقبلين. واعتبر منتقدو السياسات الحكومية في مجال المياه ذلك دليل عجز عن إيجاد حلول حقيقية للمعضلة التي باتت تشكل تهديداً وجودياً لسكان العراق، وعدم القدرة على فرض حصول البلد على حقوقة المائية من الجانب التركي من خلال القانون الدولي وكحقوق مشروعة لا كهبات.


وأقر ذياب بأن العراق "يمرّ حالياً بأشد سنوات الجفاف بشكل غير مسبوق"، مؤكداً أن تأمين مياه الشرب ومياه الاستخدامات البشرية يأتي في المرتبة الأولى. ورأت وسائل إعلام عراقية أن قصر المدى الزمني للهدف المراد تحقيقه والمحدّد بشهرين فقط يظهر مدى حراجة الأزمة وطابعها الاستعجالي.

 

وأصبح واضحاً نقص المياه وحتى ندرتها من خلال خلوّ مجاري الأنهار من الماء وانحساره عن مناطق غدت جافة بالكامل ومتشققة بعدما كانت مغمورة بالمياه وتمارَس فيها أنشطة زراعية على نطاق واسع. وتنطوي الأزمة على مخاطر وجودية من ضمنها التوزيع الديموغرافي للسكان من جرّاء نزوح أعداد كبيرة منهم من المناطق الزراعية نحو المدن المكتظة، وتنطوي أيضاً على إخلال كبير بالأمن الغذائي.

 

ويقول المنتقدون إن المفاوضات مع تركيا لم تنقطع أصلاً، ولم تفض إلى أيّ اختراق إزاء مسألة تقاسم مياه نهري دجلة والفرات. ولا يبدي المهتمون بملف المياه في العراق أي تفاؤل بإمكان حلّ المعضلة المائية عبر التفاوض مع تركيا متوقّعين أن ذلك لن يقود سوى إلى إغراق العراق في دوامة لامتناهية من التفاوض مع أنقرة التي أظهرت براعة في إطالة أمد المفاوضات بهدف الحفاظ على العلاقات الحيوية المتنامية معها دون تمكينها بالفعل من أيّ مكاسب حقيقية في مجال المياه.

ويقول الباحث في الشأن العراقي هاشم رعد لـ"النهار" إن هذا الملف مع تركيا تتحكم فيه الإرادات السياسية خاصة لدى الأحزاب الفاعلة في العراق، ويضيف: "بالفعل يعتري العلاقة العراقية التركية وهن وخلاف وحتى جهل في التعامل في أقل تقدير من الطرف العراقي حيث لا خطط استراتيجية ولا تعاطي مستقبلياً مع الجانب التركي في إطار تحكيم متطلبات العمل والعلاقات، فنجد موضوع الملفّ الأمني مثلاً صار رغماً عن إرادة العراق، أي الدخول التركي، بحكم الظرف الذي يعتري المنظومة السياسية في البلاد".

 

طفلان يجلسان في قارب وسط الجفاف في العراق، (أ ف ب).
طفلان يجلسان في قارب وسط الجفاف في العراق، (أ ف ب).

 

ويضيف: "هذا التدخل العسكري في العراق من جهة الشمال أثر على العلاقة ما بين الطرفين"، مشيراً إلى أن "ملف المياه هو الأساس في موضوع الخلافات... وهناك أيضاً التعامل التجاري ولا ننسى موضوع تصدير النفط عبر ميناء جيهان الذي حصلت عليه مشكلة". ويرى رعد أن العراق لم يحسن استغلال المصالح الاقتصادية المترابطة بما يحقق مصالح شعبه، بينما الجانب التركي بطريقة أو بأخرى قد حقق مصالح تركيا في مسألة توظيف هذه القدرات والملفات لمصلحتها. 

يمتلك العراق حالياً ما يقارب 8 مليارات متر مكعب من المياه فقط، وهو ما يمثل نحو 8% من القدرة الخزنية الكلية للسدود والخزانات العراقية، البالغة طاقتها الاستيعابية نحو 100 مليار متر مكعب.

من جهته، شدد مركز دراسات الشرق الأوسط التركي ومقره أنقرة على أن الموارد المائية أصبحت عنصراً حاسماً في قلب الأمن والسياسة والديبلوماسية في القرن الـ21، متجاوزة مجرد كونها قضية بيئية، مشيراً إلى أن المياه هي أحد العوامل المحددة للعلاقات بين الدول في الشرق الأوسط. وأكد المركز أن تدفق نهري الفرات ودجلة وتقاسم مياههما بات بنداً استراتيجياً على جدول الأعمال في العلاقات بين العراق وتركيا لسنوات عديدة. 

وقال المركز إن تركيا سبق أن أعلنت أنها لم تقلل من كمّية المياه التي تطلقها إلى العراق في سياق سياستها القائمة على التقاسم العادل والعقلاني والفعّال للمياه العابرة للحدود بين الدول المشاطئة. وأفادت أنقرة بأنها وفرت تدفقاً يتجاوز الكمية الموعودة. ووفقاً للمعلومات الرسمية التركية التي نقلها المركز، تم توزيع 654 متراً مكعباً في الثانية من المياه في تموز/يوليو و571 متراً مكعباً في الثانية في آب/أغسطس من هذا العام. وتُظهر هذه الأرقام أن تركيا قد تجاوزت التزاماتها من حيث القدرة التقنية. ويُظهر هذا الوضع بوضوح، بحسب المركز، أن الادعاءات التي تثار أحياناً بين البلدين بأن "تركيا تمارس الضغط في تقاسم المياه" بعيدة كل البعد عن الواقع. 

في المقابل، أكد مرصد "العراق الأخضر" المتخصص بشؤون البيئة أن تركيا كانت قد أعلنت عن إطلاق 400 متر مكعب في الثانية خلال شهري تموز وآب من هذا العام، إلا أن العراق تعرّض لـ"خديعة كبيرة" حين توقع أن تكون الإطلاقات وفق الإعلان التركي، فيما تبيّن لاحقاً أن تركيا أطلقت فقط 120 متراً مكعباً في الثانية.

ورأى المرصد أن هذا الأمر دفع العراق إلى إطلاق ضعف هذه الكمّية، ما أدّى إلى إفراغ السدود والنواظم.

ويقول رعد لـ"النهار": "يحتاج العراق إلى حكومة واعية للمخاطر تتبنّى هذه المسألة لا حكومة تجدّد كل فترة اتفاقية وقتية لا تأثير لها على واقع العلاقات والمصالح المشتركة... بل التوجه إلى تفعيل اتفاقية تعاون استراتيجية شاملة ودائمة لتجنب كل المشاكل وعدم التعاطي معها بشكل وقتي". ويضيف: "لا يُعرف لماذا يتعاملون بشكل وقتي مع المسائل الملحّة التي تقتضي تعاملاً أو مدى دائماً مستمراً، الحل هو الانطلاق إلى تفاهمات تبعد شبح أيّ أزمات مستقبلية سواء كانت أمنية أو اقتصادية أو حتى سياسية".

تتفاقم أزمة المياه في العراق وسط غياب حلول استراتيجية فعالة، فيما تستمر المفاوضات مع تركيا دون نتائج ملموسة، ما يعمّق المخاوف من أزمة وجودية تهدد البلاد .

  

العلامات الدالة

الأكثر قراءة

المشرق-العربي 10/8/2025 3:44:00 AM
أقدم شقيق النائب الأردني السابق قصي الدميسي على إطلاق النار من سلاح رشاش تجاه شقيقه عبد الكريم داخل مكتبه، ما أدى إلى وفاته على الفور.
اقتصاد وأعمال 10/7/2025 5:24:00 AM
سترتفع كلفة تسديد مفاعيل التعميمين من نحو 208 إلى 260 مليون دولار شهريا، بزيادة نحو 52 مليون دولار شهريا
لبنان 10/6/2025 11:37:00 PM
افادت معلومات أن الإشكال بدأ على خلفية تتعلق بـ "نزيل في فندق قيد الإنشاء تحت السن القانوني في المنطقة".
لبنان 10/7/2025 1:21:00 PM
 النائب رازي الحاج: ابتزاز علني لأهل المتن وكسروان وبيروت