"بينما نامت إسرائيل"... حساب الذكرى الثانية للفشل القاتل

كان الرئيس السابق لجهاز "الشاباك" رونين بار يحاول الحصول على قسط من النوم في منزله بتل أبيب. عند الثانية فجر 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 عندما تلقى اتصالاً مريباً. اعتاد بار تلقي المكالمات الهاتفية في منتصف الليل، لكن هذه المرة، كان الأمر مختلفاً. بدت المعلومة غامضة، غير أنها أنذرت بالسوء: "ثمة تحضيرات غير واضحة لأمر ما من حماس".
مع حلول الذكرى الثانية لهجمات "طوفان الأقصى"، يستعرض الصحافيان الإسرائيليان يعقوب كاتز وأمير بوهبوت في كتابهما "بينما نامت إسرائيل"، تفاصيل تُذكر للمرة الأولى عن أكبر إخفاق استخباري واجهته إسرائيل منذ تأسيسها، بناء على مصادرهما من داخل الأجهزة الرسمية.
تناقض صارخ... وفتاك
فشلت الأجهزة الأمنية الإسرائيلية، بشكل منفرد وجماعي، في الربط بين الإشارات الملتبسة التي وصلت إليها قبل الهجوم. على سبيل المثال، التقطت وحدة 8200 الاستخبارية انهياراً في جهاز متطور يرصد الأحداث المريبة في قطاع غزة، قبل ساعات من الهجوم. كذلك، التقط "الشاباك" قيام عشرات من قادة "حماس" الكبار بتفعيل هواتف محمولة تحتوي على بطاقات "سيم" الإسرائيلية. وحصل الجهاز الأمني أيضاً على معلومات تفيد بأن مقاتلين من الحركة كانوا يعدّون أنفاقاً تحت الأرض كي ينزل إليها القادة. النقاط المشتركة في هذه الحوادث أنها حصلت مسبقاً، مع تدريبات محلية مثلاً، لكن ليس بهذه الوتيرة، مما زاد حال الضياع.
كذلك، تلقت قيادة الجيش الإسرائيلي، لدى حصولها على معلومات بشأن تفعيل الهواتف المحمولة، طلباً بعدم الإفصاح عن الأمر خوفاً على "المصادر" في القطاع. أدى التكتم إلى تقييد "فرقة غزة" بحيث يرى الصحافيان أنه كان من المحتمل أن يؤدي إرسال بعض الطوافات إلى دفع "حماس" كي تعيد التفكير بخطتها. أغضب ذلك الصحافي الإسرائيلي سيث فرانتزمان الذي تساءل عن التناقض بين تقليص الجيش الإسرائيلي مصادره في غزة، بسبب قناعته السابقة بأن "حماس" لم تعد تشكل خطراً كبيراً على إسرائيل، وبين الخوف من إحراق تلك المصادر.
التاريخ يعيد نفسه
ينقل تساؤل فرانتزمان المراقبين إلى مستوى آخر من التحليل، وهو مستوى لم يكن غائباً كثيراً عن التحليلات السابقة. كان الفشل عشية 7 أكتوبر، فشلاً استراتيجياً لا تكتيكياً فقط. بحسب كاتز وبوهبوت، كان التصور الشامل لدى إسرائيل هو أن "حماس خضعت للردع وأنها أرادت الهدوء". لكن في الواقع كانت إسرائيل هي التي تريد الهدوء، بالتوازي مع الازدهار الاقتصادي وآمال السلام الشامل في المنطقة.
ورأى مسؤولان عسكريان سابقان في إسرائيل، عاموس يالدين وأودي أفنتال، أن إسرائيل وقعت عشية 7 أكتوبر في الخطأ نفسه التي ارتكبته عشية حرب أكتوبر 1973، حين ظنت أن "حماس"، كما مصر قبل 50 عاماً، أرادت الحفاظ على الستاتيكو. وتحت عنوان لافت في تشابهه مع عنوان الكتاب، "لماذا نامت إسرائيل"، كتبا في عدد يناير/فبراير 2024 من مجلة "فورين أفيرز"، أن تل أبيب ابتعدت عن درس 1973 وهو "تنظيم الدفاع بحسب إمكانات العدو وليس فقط بناء على نياته المقدّرة".
بعد حصولهم على المعلومات الغامضة عشية "طوفان الأقصى"، ذهب معظم الضباط الإسرائيليين إلى "النوم وهم أكثر قلقاً بقليل مما كانوا عليه قبل ساعات لكن لم يظن أحد أن أي شيء كبيراً كان سيحصل"، بحسب الكتاب الصادر حديثاً.
بعد 7 أكتوبر، أصبح النوم في الشرق الأوسط – أكان بمعناه الجسدي أم الجيوسياسي – ترفاً ينتمي إلى حقبة ماضية.