توني بلير وخطة ترامب لغزّة: هل تنجح تجربة الانتداب الجديد؟

عادت عقارب الساعة إلى الوراء، ومعها ظاهرة الانتداب السياسي إلى الشرق الأوسط من بوابة غزّة. هيئة انتقالية دولية برئاسة دونالد ترامب، الرئيس الأميركي، وعضوية توني بلير، رئيس الوزراء البريطاني السابق، نصّت عليها خطة البيت الأبيض للإشراف على عمل لجنة فلسطينية موقّتة من التكنوقراط لإدارة قطاع غزّة. اقتراح يحمل في مضامينه وصاية غربية – إسرائيلية تامة.
بلير، الذي كان يطمح لقيادة هذه الهيئة، أشاد بخطّة ترامب التي تحجز له مقعداً فيها. عاد إلى المشهدية الدولية، بعد غياب طويل، سبقته طبعة دموية وسمت سياسته البريطانية خلال اجتياح العراق عام 2003، حينما كان رئيساً للوزراء. قصّة بلير وغزّة بدأت مع مشاركة مؤسسته البحثية بوضع خطّة ريفييرا غزّة، ثم طرحه فكرة الحكومة الانتقالية ورئاستها، واكتسبت زخماً مع لقاء ترامب.
يعرف بلير الشرق الأوسط معرفة وثيقة، والصراع الفلسطيني – الإسرائيلي بالتحديد. تولّى رئاسة وزراء بريطانيا بين عامي 1997 و2007، وبعد فترة وجيزة من مغادرته داونينغ ستريت، عُيّن مبعوثاً خاصاً للجنة الرباعية الدولية للشرق الأوسط (الأمم المتحدة، الولايات المتحدة، الاتحاد الأوروبي، روسيا)، مكلّفاً بإيجاد سلام دائم بين إسرائيل والفلسطينيين، والمساعدة في تحقيق حلّ الدولتين.
بلير لم يحقق تقدماً يُذكر في هذا السياق رغم استمراره في منصبه ثماني سنوات، إلّا أنّه تمكّن من بناء شبكة علاقات واسعة. اكتسب قبول الإسرائيليين، وثمّة من يعتبره في تل أبيب "وسيطاً موثوقاً"، وقادراً على إقناع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ببعض الشروط، كمشاركة الفلسطينيين في إدارة غزّة، وفق ما تنقل مجلة "لو موند" الفرنسية، انطلاقاً من علاقة الودّ بين الطرفين.
الأمين العام لـ"الحملة الأكاديمية الدولية لمناهضة الاحتلال والأبرتهايد الإسرائيلي" رمزي عودة يعترف بـ"مهارة" بلير ومعرفته الدقيقة بالشرق الأوسط والملف الفلسطيني، وبرأيه، عدم نجاحه في المرة الأولى "لا يعني عدم نجاحه في المرحلة الحالية". لكن عودة يرفض أن يكون بلير وصيّاً أو منتدباً على فلسطين، وفق ما يقول لـ"النهار".
يقول إيهود باراك، رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق "لا يمكن للإسرائيليين بسهولة أن يتقبلوا فكرة دور السلطة الفلسطينية، لكن يمكن تعديل ذلك إلى حد ما بوجود شخص مثل بلير". ويشاطر مسؤول إسرائيلي رأي باراك، وبتقديره، "المطلوب شخص مقبول لدى جميع الأطراف، والإسرائيليون يُحبون توني بلير حقاً"، حسب "واشنطن بوست".
على المقلب الآخر، الآراء متباينة في صفوف الفلسطينيين. السلطة الفلسطينية رحّبت بالجهود "الصادقة والدؤوبة" التي يبذلها ترامب لإنهاء الحرب على غزة، وأكّدت ثقتها بـ"قدرته على إيجاد طريق للسلام". لكنّ ثمّة فلسطينيين يقولون إن بلير حافظ على "موقف بريطانيا التقليدي" المتمثّل في الدعم الثابت لإسرائيل، وانحاز باستمرار إليها، ولم يتمكّن من إيجاد الحلول.
عودة الاستعمار البريطاني
بعد انهيار السلطنة العثمانية، وتقسيم الشرق الأوسط وفق خطط سايكس – بيكو، وقعت فلسطين تحت الانتداب البريطاني. توالى على سلطات الانتداب 7 مندوبين سامين. الفلسطينيون ينظرون إلى عودة بلير ومعه هيئة إشرافية كصيغة جديد للانتداب. مصطفى البرغوثي، الأمين العام لحركة المبادرة الوطنية الفلسطينية، "لقد كنا تحت الاستعمار البريطاني، لسنا بحاجة إلى قائد من قوة استعمارية سابقة".
احتمالات النجاح
نجاح طرح ترامب أو فشله غير واضح بعد. سبق للرئيس الأميركي أن قدّم أفكاراً عدّة، لكن الحرب لم تتوقف، انطلاقاً من رفض "حماس" الجزئي لها والإصرار الإسرائيلي على استمرار الحرب. عودة يرى الطرح الحالي "آخر الخيارات المتاحة"، لكنه "فضفاض" وبنود كثيرة وواسعة، وتفاصيله غائبة، وإن وافق عليه نتنياهو، لكن العين على موقف "حماس" التي "تقرن" موافقتها بـ"لكن" فتفشل.
وخلال تقييمه خطة ترامب، ينطلق عودة من نقطتين مهمتين، الأولى وجوب "إقصاء" حركة "حماس" لأنها "لا تلتزم" بالمنطق السياسي العقلاني، وتغييبها عن المشهد بات "مطلباً فلسطينياً"، والثانية كون الطرح لم ينص على تهجير الشعب الفلسطيني، لكنه في الآن عينه، يبدي عودة مخاوفه من رغبة إسرائيل في رفض "حماس" الخطة لتستكمل مخطط التهجير.
في المحصلة، فإن طرحاً جديداً يقدّمه ترامب لإنهاء حرب غزّة، بانتظار موافقة "حماس" لأن إسرائيل أبدت ترحيباً على لسان نتنياهو. لكن في مضمونها، فإنها تعيد تجربة الانتداب المباشر الذي اختبره الشرق الأوسط بعد الحرب العالمية الأولى، وانتقلت فلسطين بعد ذلك للاحتلال الإسرائيلي، فهل يشكّل الطرح القديم – الجديد باباً لانتهاء الحرب؟